تفارق شفاههما كلمة التوحيد ، فمضيا شهيدين من أجل الثبات على الدين الذي هو جزء لا يتجزأ من كيانهما ، وكان هو الآخر يعذب بأبشع صنوف العذاب ، فلم يعتز لذلك كيانه ، بل ثبت على عقيدته ، ولم يزل يساير الدعوة منذ الأيام الأولى لإعلانها ، وحتى ارتحال الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الرفيق الأعلى ، ومن ملازمته له عرف مكانة الإمام علي عليهالسلام ، وتفهَّم ما جاء فيه من الكتاب العزيز ، والسنة الشريفة ، وما ألزما به المسلمين من ملازمته ، ومتابعته ، وعرف أحقيته في الخلافة ، وقد عُرف عمار على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بانقطاعه للإمام علي عليهالسلام ، وملازمته له ، حتى عُدَّ من شيعته ، ولم يزل عمار ثابتاً على تلك العقيدة ، لم يتأثر بكل ما جرى من أحداث ؛ لأنَّه أخذ ما يعتقده من الكتاب العزيز والسنة النبوية ، وهما منبع الوحي الصافي.
وقف عمار يوم صفين موقف البطل المجاهد ، الذي لا تلين قناته ، فكان على كبر سنه (١) يقتحم جيش الشام ، ثم يعود يحرض الناس على القتال ، وكلماته تنم عن بصيرته ، وعمق إيمانه بالقضية التي يدافع عنها ، وثباته على العقيدة الراسخة ، يقف أمام جيش الإمام علي عليهالسلام فينادي : (الرواح ... الرواح إلى الجنة) (٢) ، ويندفع إلى القتال منادياً : (اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه) (٣) ، ويقول : (والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَر (٤) لعلمنا أنّا على الحق ، وأنَّهم على الباطل) (٥) ،
__________________
(١) يتفق كتاب السير والمؤرخون على أنّ عمره كان ينوف على التسعين عاماً.
(٢) تاريخ الأمم والملوك ٤ / ٦٣ ، شرح نهج البلاغة ٨ / ٢٢ ، وقعة صفين ٣٣٩.
(٣) الإمامة والسياسة ١ / ١٤٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٤٦٤ ، شرح نهج البلاغة ٨ / ٢٤ ، المستدرك ٣ / ٢٩٤ ، وقعة صفين ٣٤١.
(٤) هَجَر (بفتحتين) : بلد في الحجاز معروف بكثرة نخيله ، يقال : كمُبضِع تمر إلى هَجَر.
(٥) أنساب الأشراف ٣١٧ ، تاريخ الأمم والملوك ٤ / ٢٧ ، شرح نهج البلاغة ٨ / ٢٤ ، المستدرك ٣ / ٣٨٦ ، المناقب ١٢٦ ، وقعة صفين ٣٢٢.