فيما يرونه يوم بدر ويوم الفتح.
وإن كان بمعنى البصر الحسي فالسين والتاء في كلا الفعلين للاستقبال.
وضمير (يُبْصِرُونَ) عائد إلى معلوم مقدر عند السامع وهم المشركون القائلون : هو مجنون.
و (أي) اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه ، ويظهر أن مدلول (أي) فرد أو طائفة متميز عن مشارك في طائفته من جنس أو وصف بمميّز واقعي أو جعلي ، فهذا مدلول (أيّ) في جميع مواقعه ، وله مواقع كثيرة في الكلام ، فقد يشرب (أيّ) معنى الموصول ، ومعنى الشرط ، ومعنى الاستفهام ، ومعنى التنويه بكامل ، ومعنى المعرّف ب (ال) إذا وصل بندائه. وهو في جميع ذلك يفيد شيئا متميزا عما يشاركه في طائفته المدلولة بما أضيف هو إليه ، فقوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) معناه : أيّ رجل ، أو أيّ فريق منكم المفتون ، ف (أي) في موقعه هنا اسم في موقع المفعول ل (تبصر ويبصرون) أو متعلق به تعلق المجرور.
وقد تقدم استعمال (أيّ) في الاستفهام عند قوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) في سورة الأعراف [١٨٥].
و (الْمَفْتُونُ) : اسم مفعول وهو الذي أصابته فتنة ، فيجوز أن يراد بها هنا الجنون فإن الجنون يعدّ في كلام العرب من قبيل الفتنة (يقولون للمجنون : فتنته الجن) ويجوز أن يراد ما يصدق على المضطرب في أمره المفتون في عقله حيرة وتقلقلا ، بإيثار هذا اللفظ ، دون لفظ المجنون من الكلام الموجّه أو التورية ليصح فرضه للجانبين.
فإن لم يكن بعض المشركين بمنزلة المجانين الذين يندفعون إلى مقاومة النبيصلىاللهعليهوسلم بدون تبصر يكن في فتنة اضطراب أقواله وأفعاله كأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما الذين أغروا العامة بالطعن في النبي صلىاللهعليهوسلم بأقوال مختلفة.
والباء على هذا الوجه مزيدة لتأكيد تعلق الفعل بمفعوله ، والأصل : أيّكم المفتون فهي كالباء في قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦]. ويجوز أن تكون الباء للظرفية والمعنى : في أيّ الفريقين منكم يوجد المجنون ، أي من يصدق عليه هذا الوصف فيكون تعريضا بأبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهما من مدبري السوء على دهماء قريش بهذه الأقوال الشبيهة بأقوال المجانين ذلك أنهم وصفوا رجلا معروفا بين العقلاء مذكورا برجاحة العقل والأمانة في الجاهلية فوصفوه بأنه مجنون فكانوا كمن زعم أن النهار ليل