مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف : ١٠٨].
فالآية تشتمل على ثلاث استعارات تمثيلية فقوله (يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) تشبيه لحال المشرك في تقسّم أمره بين الآلهة طلبا للذي ينفعه منها الشاكّ في انتفاعه بها ، بحال السائر قاصدا أرضا معينة ليست لها طريق جادة فهو يتتبع بنيات الطريق الملتوية وتلتبس عليه ولا يوقن بالطريقة التي تبلغ إلى مقصده فيبقى حائرا متوسما يتعرف آثار أقدام الناس وأخفاف الإبل فيعلم بها أن الطريق مسلوكة أو متروكة.
وفي ضمن هذه التمثيلية تمثيلية أخرى مبنية عليها بقوله : (مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) بتشبيه حال المتحيّر المتطلب للآثار في الأرض بحال المكب على وجهه في شدة اقترابه من الأرض.
وقوله : (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) تشبيه لحال الذي آمن بربّ واحد الواثق بنصر ربه وتأييده وبأنه مصادف للحق ، بحال الماشي في طريق جادة واضحة لا ينظر إلّا إلى اتجاه وجهه فهو مستو في سيره.
وقد حصل في الآية إيجاز حذف إذ استغني عن وصف الطريق بالالتواء في التمثيل الأول لدلالة مقابلته بالاستقامة في التمثيل الثاني.
والفاء التي في صدر الجملة للتفريع على جميع ما تقدم من الدلائل والعبر من أول السورة إلى هنا ، والاستفهام تقريري.
والمكب : اسم فاعل من أكب ، إذا صار ذا كبّ ، فالهمزة فيه أصلها لإفادة المصير في الشيء مثل همزة : أقشع السحاب ، إذا دخل في حالة القشع ، ومنه قولهم : أنفض القوم إذا هلكت مواشيهم ، وأرملوا إذا فني زادهم ، وهي أفعال قليلة فيما جاء فيه المجرد متعديا والمهموز قاصرا.
و (أَهْدى) مشتق من الهدى ، وهو معرفة الطريق وهو اسم تفضيل مسلوب المفاضلة لأن الذي يمشي مكبا على وجهه لا شيء عنده من الاهتداء فهو من باب قوله تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣] في قول كثير من الأئمة. ومثل هذا لا يخلو من تهكم أو تمليح بحسب المقام.
والسويّ : الشديد الاستواء فعيل بمعنى فاعل قال تعالى : (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) [مريم : ٤٣]. و (أم) في قوله : (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) حرف عطف وهي (أم) المعادلة لهمزة