أعجب من كونه نطفة لأنه صار علقة بعد أن كان ماء فاختلط بما تفرزه رحم الأنثى من البويضات فكان من مجموعهما علقة كما تقدم في فائدة التقييد بقوله في سورة النجم [٤٦] (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى).
ولما كان تكوينه علقة هو مبدأ خلق الجسم عطف عليه قوله : (فَخَلَقَ) بالفاء ، لأن العلقة يعقبها أن تصير مضغة إلى أن يتم خلق الجسد وتنفخ فيه الروح.
وضمير (فَخَلَقَ) عائد إلى (رَبِّكَ) [القيامة : ٣٠]. وكذلك عطف (فَسَوَّى) بالفاء.
والتسوية : جعل الشيء سواء ، أي معدلا مقوما قال تعالى : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] وقال : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى : ٢] ، أي فجعله جسدا من عظم ولحم. ومفعول (خلق) ومفعول (سوى) محذوفان لدلالة الكلام عليهما ، أي فخلقه فسوّاه. وعقب ذلك بخلقه ذكرا أو أنثى زوجين ومنهما يكون التناسل أيضا.
وقرأ الجمهور تمنى بالفوقية على أنه وصف ل (نُطْفَةً). وقرأه حفص ويعقوب بالتحتية على أنه وصف (مَنِيٍ).
وجملة (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) واقعة موقع النتيجة من الدليل لأن خلق جسم الإنسان من عدم وهو أمر ثابت بضرورة المشاهدة ، أحق بالاستبعاد من إعادة الحياة إلى الجسم بعد الموت سواء بقي الجسم غير ناقص أو نقص بعضه أو معظمه فهو إلى بث الحياة فيه وإعادة ما فني من أجزائه أقرب من إيجاد الجسم من عدم.
والاستفهام إنكار للمنفي إنكار تقرير بالإثبات وهذا غالب استعمال الاستفهام التقريري أن يقع على نفي ما يراد إثباته ليكون ذلك كالتوسعة على المقرّر إن أراد إنكارا كناية عن ثقة المتكلم بأن المخاطب لا يستطيع الإنكار.
وقد جاء في هذا الختام بمحسّن ردّ العجز على الصدر ، فإن السورة افتتحت بإنكار أن يحسب المشركون استحالة البعث ، وتسلسل الكلام في ذلك بأفانين من الإثبات والتهديد والتشريط والاستدلال ، إلى أن أفضى إلى استنتاج أن الله قادر على أن يحيي الموتى وهو المطلوب الذي قدم في قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٣ ، ٤].
وتعميم الموتى في قوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) بعد جريان