الاستفهام إذ هي بمعنى (قد) في الاستفهام ، وفي ذلك تأكيد وحث على التبصر والتأمل ، أي لا تقتنع بنظرة ونظرتين ، فتقول : لم أجد فطورا ، بل كرّر النظر وعاوده باحثا عن مصادفة فطور لعلك تجده.
والفطور : جمع فطر بفتح الفاء وسكون الطاء ، وهو الشق والصدع ، أي لا يسعك إلّا أن تعترف بانتفاء الفطور في نظام السماوات فتراها ملتئمة محبوكة لا ترى في خلالها انشقاقا ، ولذلك كان انفطار السماء وانشقاقها علامة على انقراض هذا العالم ونظامه الشمسي ، قال تعالى : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) [النبأ : ١٩] وقال : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١].
وعطف (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) دال على التراخي الرتبي كما هو شأن (ثُمَ) في عطف الجمل ، فإن مضمون الجملة المعطوفة ب (ثُمَ) هنا أهمّ وأدخل في الغرض من مضمون الجملة المعطوف عليها لأن إعادة النظر تزيد العلم بانتفاء التفاوت في الخلق رسوخا ويقينا.
و (كَرَّتَيْنِ) تثنية كرّة وهي المرة وعبر عنها هنا بالكرّة مشتقة من الكر وهو العود لأنها عود إلى شيء بعد الانفصال عنه ككرة المقاتل يحمل على العدوّ بعد أن يفر فرارا مصنوعا. وإيثار لفظ كرتين في هذه الآية دون مرادفة نحو مرتين وتارتين لأن كلمة كرة لم يغلب إطلاقها على عدد الاثنين ، فكان إيثارها في مقام لا يراد فيه اثنين أظهر في أنها مستعملة في مطلق التكرير دون عدد اثنين أو زوج وهذا من خصائص الإعجاز ، ألا ترى أن مقام إرادة عدد الزوج كان مقتضيا تثنية مرة في قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) [البقرة: ٢٢٩] لأنه أظهر في إرادة العدد إذ لفظ مرة أكثر تداولا.
وتثنية (كَرَّتَيْنِ) ليس المراد بها عدد الاثنين الذي هو ضعف الواحد إذ لا يتعلق غرض بخصوص هذا العدد ، وإنما التثنية مستعملة كناية عن مطلق التكرير فإن من استعمالات صيغة التثنية في الكلام أن يراد بها التكرير وذلك كما في قولهم : «لبّيك وسعديك» يريدون تلبيات كثيرة وإسعادا كثيرا ، وقولهم : دواليك ، ومنه المثل «دهدرّين ، سعد القين» (الدّهدر الباطل ، أي باطلا على باطل ، أي أتيت يا سعد القين دهدرين وهو تثنية دهدرّ الدال المهملة في أوله مضمومة فهاء ساكنة فدال مهملة مضمومة فراء مشددة) وأصله كلمة فارسية نقلها العرب وجعلوها بمعنى الباطل. وسبب النقل مختلف فيه وتثنيته مكنّى بها عن مضاعفة الباطل ، وكانوا يقولون هذا المثل عند تكذيب الرجل صاحبه وأما