ووجه الشبه بالعهن تفرق الأجزاء كما جاءت في آية القارعة [٥] (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) فإيثار العهن بالذكر لإكمال المشابهة لأن الجبال ذات ألوان قال تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) [فاطر : ٢٧]. وإنما تكون السماء والجبال بهاته الحالة حين ينحلّ تماسك أجزائهما عند انقراض هذا العالم والمصير إلى عالم الآخرة.
ومعنى (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لشدة ما يعتري الناس من الهول فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله لأنه في شاغل عنه ، فحذف متعلق (يَسْئَلُ) لظهوره من المقام ومن قوله : (يُبَصَّرُونَهُمْ) أي يبصر الأخلاء أحوال أخلائهم من الكرب فلا يسأل حميم حميما ، قال كعب بن زهير :
وقال كل خليل كنت آمله |
|
لا ألهينّك إني عنك مشغول |
والحميم : الخليل الصديق.
وقرأ الجمهور بفتح ياء (يَسْئَلُ) على البناء للفاعل. وقرأه أبو جعفر والبزي عن ابن كثير بضم الياء على البناء للمجهول. فالمعنى : لا يسأل حميم عن حميم بحذف حرف الجر.
وموقع (يُبَصَّرُونَهُمْ) الاستئناف البياني لدفع احتمال أن يقع في نفس السامع أن الأحمّاء لا يرى بعضهم بعضا يومئذ لأن كل أحد في شاغل ، فأجيب بأنهم يكشف لهم عنهم ليروا ما هم فيه من العذاب فيزدادوا عذابا فوق العذاب.
ويجوز أن تكون جملة (يُبَصَّرُونَهُمْ) في موضع الحال ، أي لا يسأل حميم حميما في حال أن كل حميم يبصر حميمه يقال له : انظر ما ذا يقاسي فلان. و (يُبَصَّرُونَهُمْ) مضارع بصّره بالأمر إذا جعله مبصرا له ، أي ناظرا فأصله : يبصّرون بهم فوقع فيه حذف الجار وتعدية الفعل.
والضميران راجعان إلى (حَمِيمٌ) المرفوع وإلى (حَمِيماً) المنصوب ، أي يبصر كل حميم حميمه فجمع الضميران نظرا إلى عموم (حَمِيمٌ) و (حَمِيماً) في سياق النفي.
و (يَوَدُّ) : يحب ، أي يتمنى ، وذلك إما بخاطر يخطر في نفسه عند رؤية العذاب. وإما بكلام يصدر منه نظير قوله : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] ، وهذا هو الظاهر ، أي يصرخ الكافر يومئذ فيقول : أفتدي من العذاب ببني وصاحبتي وفصيلتي فيكون