سنة ١٠٩٤
مقتطفات من مفكرات (شوفاديه دارفيو) عن حلب
في سنة ١٦٨٣ م الموافقة لهذه السنة كان معتمد (قنصل) الدولة الإفرنسية في حلب الموسيو (شوفاديه دارفيو) وهو ممن تقلب في هذه الوظيفة في عدة بلاد من بلاد الدولة العثمانية من جملتها حلب ، وكان يكتب عن كل بلدة حل فيها ما يشاهده من عمرانها وأحوال الحكومة فيها وأخلاق أهلها وعاداتهم فجمع من ذلك ستة مجلدات سماها [مفكرات شوفاديه دارفيو] وهي باللغة الإفرنسية وقد طبعت في باريس في مطبعة [شارل جان باتيست دليسين لوفيس] وفي الجزء السادس من أواسطه إلى آخره كتب عن حلب وحالتها وقتئذ ، فاقتطفنا منه مايهم الوقوف عليه من عمرانها وطرز الحكومة فيها وعادات أهلها وأخلاقهم في ذلك العصر وأهملنا منه ما هو معروف أو ما لا طائل تحته.
قال في وصفها ووصف قلعتها :
إن حلب هي أجمل البلاد العثمانية بعد قسطنطينية والقاهرة بلا خلاف ، وهي واقعة في عرض ٣٦ ونصف من المنطقة الجنوبية وفي طول ٦٥ من خط الاستواء. وهي مبنية على سبع رواب الأربع العظام منها هي ضمن السور وأعظمهن هي الرابية الواقعة في وسط البلدة وهي القلعة ، وهي محاطة بالأحجار العظيمة ويحيط بها خندق عميق مملوء إلى نصفه بماء المطر ، ولطول بقاء هذا الماء وكثرة ما يلقى فيه من الأقذار ومن جثث القتلى تجد الروائح المنتنة تفوح منه كثيرا ، وفوق باب القلعة قصر عظيم يقال إنه مبني من زمن الرومانيين الذين كانوا في هذه البلاد ، وهو واسع جدا ، والولاة الذين يعينون إلى حلب والمتسلمون اتخذوه دار سكناهم ، وهذا القصر لارتفاع جدرانه مشرف على معظم البلد وهو ذو أهمية عظمى عند الأهالي ، وهو من إنشاء الإفرنج غير الصليبيين (أي من زمن الرومانيين).
يحكى أن هذا القصر أنشأه أحد ملوك الإفرنج بدون أن يكلفه سوى قيمة حجر كبير من نوادر الأحجار الكبيرة الثمينة ، ونظرا لكبر هذه الحجر وندورة أمثالها لم يجد في زمنه من يقدر على شرائها ، ودفع ثمنها فأهداها لابنته ، وهذه الملكة قبضت قيمتها بعض مراكب محملة بالذهب والفضة وبنت بها هذا القصر (١) ، وهذا القصر مع قدمه يوجد بعض
__________________
(١) لا صحة لذلك أصلا وسيأتيك ذكر من بناه في الكلام على القلعة.