لها في هذه السنوات التسع. ويظهر أن إبراهيم باشا لم يتمكن من القيام بشيء من الإصلاحات النافعة والمشاريع العمرانية في هذه البلاد لانشغاله بالحروب تثبيتا لقدمه فيها وأملا بالاستيلاء عليها استيلاء نهائيا. والذي أراه أن إبراهيم باشا لم يصب في سياسته بتوجيه آماله إلى افتتاح البلاد التركية وطموح نظره إلى الاستيلاء على القسطنطينية مقر السلطنة العثمانية مع علمه بصعوبة هذا المرتقى ، لأن الأمة التركية تتفانى دون حصول ذلك والدول الغربية لا تسكت عنه ، وكان الأولى بإبراهيم باشا أن يوجه وقتئذ نظره إلى افتتاح بلاد العراق وبافتتاحها يكون قد ضم إليه البلاد الحجازية والأقطار اليمانية ، ويكون قد صار في قبضته وتحت حوزته جميع جزيرة العرب فيتأسس لديه دولة عربية متنائية الأطراف قوية الشكيمة عظيمة السلطان وحسبه ذلك ، ويكون حينئذ للأمة الإسلامية دولتان عظيمتان في الشرق تقفان سدا منيعا أمام مطامع الدول الغربية فيه ، ولو حصل ذلك لما حصل ما كان من الحوادث في الشرق من أول هذا القرن إلى يومنا هذا ، ولكن إرادة الله لم تشأ ذلك وقضاؤه كان بخلاف ذلك.
تتمة أخرى لهذه الفصول وذكر تولية إبراهيم باشا لإسماعيل بك :
لما استولى إبراهيم باشا المصري على حلب جعل الحاكم فيها من قبله إسماعيل بك كما قدمنا وكانوا يسمونه بالحكمدار ، وكان هذا يتلقى الأوامر من إبراهيم باشا ويبلغها الأهلين ، واتخذ له مجلسا مؤلفا من بعض الأهلين برئاسة هذا الحاكم فكانت العرائض ترفع إلى هذا المجلس ويقرر عليها ، وقد استفدنا ذلك من دفتر من مقررات هذا المجلس عند الوجيه أسعد أفندي العينتابي أوله في شوال من سنة ١٢٥٣ وآخره في ذي القعدة من سنة ١٢٥٤ ، ويستفاد منه أن الإعانات من زيت وغيره كانت تطرح على أهالي القرى المساكين وأن لوازم الجيش كانت تؤخذ بنصف ثمنها إلى ثلثي ثمنها وأنه قد طرح على الأهالي إعانات وزعت بمعرفة مشايخ الحارات ، فكان هؤلاء يقبضونها ولا يعطون وصلا إلى الدافع ، ونشأ عن ذلك تلاعب مشايخ الحارات فيما يقبضونه حتى أدى الحال إلى رفع الشكايات إلى إبراهيم باشا ولزوم تأسيس مجلس يؤلف من عشرة أشخاص في كل محلة ليناظر قبض هذه الإعانة ويرتفع الاغتلاس. واستفيد من بعض المقررات أن اللاذقية وقتئذ كانت مرتبطة بحلب ، وأن العملة النحاسية كانت تضرب في قلعتها واتخذ ذلك من بعض المدافع القديمة التي كانت بالقلعة ومن النحاس القديم ، واستفيد منه أن مقدار ما طبخ من الصابون في حلب وإدلب سنة ١٢٥٣ كان أربعة وسبعين طبخة ونصف طبخة.