تتمة لهذه الفصول أو عودا على بدء
قال الشيخ صالح ابن الشيخ أحمد المرتيني الإدلبي الأصل أحد أفاضل الشهباء في رسالة له ألفها في المحرم من سنة ألف ومائتين وسبعة وخمسين أعني بعد خروج إبراهيم باشا من هذه البلاد بقليل ، وهي لطيفة الإنشاء مسجعة على طريقة المتقدمين ، ويظهر أنه صاغ عقودها في إدلب قبل أن يتوطن حلب ، وقد ذكر فيها وقائع إبراهيم باشا المصري من حين خروجه على الدولة العثمانية واستيلائه على سورية وقونية إلى حين مغادرته لها وعودته إلى البلاد المصرية ، ويظهر مما سطره أنه لم يكن ممتنا من الحركة التي قام بها إبراهيم باشا ووالده محمد علي باشا وعدهما من الطغاة البغاة ورشقهما بألسنة حداد وعبارة غاية في المرارة ، وقد رأيت أن ألتقط منها نبذا أتمم فيها هذا الفصل وأ أيّد بها ما تقدم ذكره لما فيها من زيادة الفوائد ، خصوصا والمؤلف من أهل ذلك العصر ، فهو إذا لم يكن ممن شاهد تلك الوقائع بعينه فقد سمعها حين وقوعها ممن شاهدها ورآها ، قال في حق محمد علي باشا :
وفي سنة خمس أو ست وعشرين بعد المائتين وألف أحدث في جميع ممالكه الحادثة الشنيعة والبدعة السيئة الفظيعة أعني بها البدعة المسماة بالنظام ، فألبس المسلمين الثياب الضيقة ذات الأزرار ونسخ العمامة والثياب التي تزين لابسها الوقار ، فصار المسلم أشبه شيء بالإفرنجي من أهل الحرب بعد أخذه من بيته موثوقا مساقا بالشتم والضرب. إلى أن قال :
ثم لا زالت هذه أفعالهم في الأقطار ، وفي كل شهرين أو ثلاثة يقبضون على الشبان من تلك الأمصار ، حتى صارت خالية من الكهول والشبان والرجال إلا شيخا زمنا أو أعمى أو عطيل الحواس والأوصال ، فعمت الفاحشة هناك في النساء والأبكار وأنكحت الحرة نفسها على ملء بطنها خوفا من العار ، وصار الغني في تلك الأطراف من يملك قوت يومه وليلته وثوبا يستر به ما بين سرته وركبته.
(ثم قال بعد أن ذكر خروج إبراهيم باشا على الدولة العثمانية ومجيئه سنة ١٢٤٨ إلى عكا وحصاره ثم فتحه لها واستيلائه على دمشق الشام) : ثم عزم أن يتوجه بجيشه العرمرم لتحصيل مدينة حلب ، فحينئذ شاعت في جميع الأقطار أخباره وانتشرت في الخافقين أحواله وآثاره ، فتوجهت لملاقاته عساكر مولانا السلطان وسر عسكرهم إنج بيرقدار أول وزير من وزراء الدولة قد خان ، فتقابل العسكران خارج حمص عند البحيرة فثبت لقتاله نحو الألفين والباقون أخذتهم الحيرة ، مع أن العساكر السلطانية كانت إذ ذاك من الألوف