ومن رام تعاطي هذه الصنعة (الصرافة) لا بد له من أن يلتجىء إليهم وإلا فلا يروج أمره ، ويوجد منهم أغنياء يتعاطون الربا وهم ماهرون فيه.
وكل سكان هذه البلدة ما عدا الأشراف والمثرين يتعاطون التجارة والحرف وهم منقسمون إلى ٧٢ اثنتين وسبعين صناعة ولكل صناعة رئيس ، وعندما تطرح الضرائب القاسية على قسم من هؤلاء الأقسام فتقسيمها على الأهالي وتحصيلها منوط برئيس هذه الصناعة ، وهذا أيضا لا ينسى نفسه من الفوائد الذاتية ويقاسمه بهذا القرص الحلو الباشا والقاضي وغيرهما ممن يحميه ويدافع عنه إذا حصلت شكاية ما عليه.
كلامه على الوالي والمتسلم والقاضي وغيرهم من ولاة الأمور :
يمشي أمام الوالي رجلان يحملان علمين والعلم ذو شعب ثلاث واحدة بيضاء وواحدة معلقة ببيضة من نحاس مموهة بالذهب. وحكومة حلب تدفع سنويا ثمانين ألف قرش للوالي منها ٣٠ إلى ٣٥ ألفا يصرفها الوالي في حاشيته التي تبلغ من ٥٠٠ إلى ٦٠٠ شخص والباقي يأخذه لنفقته الخاصة ، لكن ما يبقى لا يكفيه لنفقاته لأن من هذا المبلغ يرسل هدايا ذات شأن للباب العالي حفظا لمقامه ومركزه عند كبار رجال الدولة في دار السلطنة ، خصوصا إذا كان ممن يلاحظ مستقبله فهو يحرص كل الحرص على جمع المال ، ولذا تجد الباشا يستعمل مهارته في استحصال مائتي ألف زيادة عما خصص له وذلك من طريق التعدي والرشوة. ومقاطعة الوالي ١٢٠٠ قرية منها ٣٠٠ قرية خراب و ٩٠٠ قرية عامرة ، ويوجد أيضا قرى أخر هي لوجهاء البلدة.
والذين هم تحت تصرفه لا يخلون أيضا من الفخفخة ، وهو لا يسحب فلسا من خزائنه لأجل أن يدفعه إلى الضباط الذين هم غير مستخدمين لديه.
ومعاشات الضباط محددة تعين لهم من الآستانة لكنهم لا يأخذون بقدر ما يعين لهم بل يأخذون بقدر ما يريدون ، ولذلك لا يلزمهم إعطاء درس بهذا الخصوص فكلهم حاذقون ماهرون في صناعة السلب والنهب ، وهم يصرفون جهدهم أياما ليشتروا لهم مركزا يكون من أحسن المراكز (وأحسنها أبعدها) وهناك يؤمنون ثروتهم ، ومن النادر أن يبقى هؤلاء المستخدمون في وظائفهم أكثر من سنة ، ولا يتأتى لهم ذلك إلا إذا كان لديهم قوة مدافعة تجاه ولاة الأمور في الآستانة.