حدثني بعض أهل محلة ألطنبغا نقلا عن بعض أشياخها أنه بينما كان بضعة من الأشراف مارّين أمام جامع الأطروش وإذ باليكيجارية قد انقضوا عليهم وكانوا كثيري العدد فلم يجد الأشراف بدا من الهرب فالتجؤوا إلى الجامع وأغلقوا بابه ووضعوا وراءه أحجارا ، فحاول اليكيجارية فتحه فلم يتمكنوا فأحضروا قطرانا ودهنوا الباب وأعطوه النار فاحترق ، ولم يزل أثر الحريق في أطراف الباب باقيا إلى يومنا هذا ، فدخلوا عليهم فانهزم أولئك إلى المنارة فضايقوهم فألقوا بأنفسهم إلى سطح الجامع ومنه إلى سطح بيوت الخلاء فلحقوهم هناك وقبضوا عليهم فاستغاثوا بهم فلم يغاثوا بل بالوا بأفواههم وذبحوهم. ولهذه الحادثة الفظيعة نظمت عدة قصائد للشيخ وفا الرفاعي وغيره ، وقد أنشدني عبد القادر الطرابيشي من أهل الباب أبياتا في هذه الحادثة نسبها إلى فاضل بك الإستانبولي وهو الآن ممن جاوز الثمانين وهي :
يا مصطفى إن القلوب منغصه |
|
لبنيك في الشهباء حلّت منقصه |
في جامع يدعى الطروش لقد غدت |
|
بدمائهم تلك الأماكن مقنصه |
أدرك فجسم الدين ساء مزاجه |
|
ولقد كوى الأشراف إبن الحمصه |
أقبل وقل للحربلي الحرب لي |
|
وأذق إلى ذاك الوجاق المخمصه |
في النازعات فاجعلن ياسينهم |
|
وجميعهم ليست إليه مخصصه |
فدماء أعداء الإله ثمينة |
|
ودماء أولاد الرسول مرخصه |
ولأنت أولى بالجميع وهذه |
|
شكواهم رفعت إليك ملخصه |
ذكر قيام الفتن بين هاتين الفئتين في عينتاب أيضا
قال جودت باشا : إن الأهالي من قديم الزمان في نواحي حلب وعينتاب منقسمون إلى قسمين سادة (أو أميرية) ويكيجرية ، وهاتان الفئتان بينهما غاية الخلاف دائما وهما في فتن لا تنقطع ، وكان لليكيجرية إشارات خاصة وهي النواشين ، وكان علامة السادة العمائم الخضر. والسادة أو الأميرية هم عبارة عن أعيان البلاد ومن التف حولهم وذلك من قبل فتح السلطان سليم لهذه البلاد ، وأهالي مرعش أيضا كانوا منقسمين إلى فئتين فئة البيازيدية وفئة ذي الغادرية وهؤلاء من نسل ملوك تلك البلاد قبل الفتح السليمي ، وكان النزاع بين هاتين الطائفتين مستمرا أيضا ، وفي أثناء هذه العشر سنوات