رأى الأمراء فعل أصلان بن بداق في حملته أخذتهم الحمية فحمل الأمير سيباي نائب الشام ثم حمل أمير كبير سودون العجمي ومماليكه خلفه نحو الألف ملبسين ، ثم حمل الأمير جانبلاط أبو ترسين ثم الأمير علان دوادار ثاني ، ثم حمل قانصوه ابن السلطان جركس ، ثم حمل كرتباي الوالي وكان فارس المنايا لله دره من شجاع ، ثم حمل تمر الزردكاش وبخشباي أمير مجلس والأمير أنسباي حاجب الحجاب والأمير قانصوه كارت والأمير تاني بك الخازندار والأمير تاني بك النجمي والأمير بيبرس ابن عم السلطان الغوري والأمير قانصوه أبو سنة والأمير الفاخر والأمير خير بك المعمار والأمير جانبر دي نائب بيروت والأمير جانبر دي الغزالي وخير بك نائب حلب ، وكلاهما كانا رأس المتعصبين على الغوري ، والأمير تمراز نائب طرابلس ، وحملوا جماعتهم حملة واحدة وصادموا الروم ومالوا في القتال والروم الآخرون لاقوهم كالأسود. قال الشيخ أحمد بن زنبل المحلي : ولم نر في التواريخ القديمة والحديثة وقعة مثل هذه الوقعة ولا اجتمع فيها مثل هذين العسكرين ولا أكثر عددا. قال : ولم يقاتل في هذا اليوم من الجراكسة أكثر من ألفي فارس وهم الأمراء الذين قدمنا ذكرهم وأتباعهم.
وأما جلبان الغوري الذين هم مشتراه فلم يتحركوا من مواضعهم ولم يهزوا رمحا ولا جذبوا سيفا ، وسبب ذلك أن الله تعالى لما أراد إزالة دولتهم أوقع فيهم الخلف لأمر يقضيه وحكم يمضيه ، وعلى ما قيل إن السلطان الغوري أمر بأن أول مرة يخرج للحرب القرانصة لكونهم أعرف بالحرب من الجلبان ، وكان قصده أن ينقطع القرانصة ليكتفي شرهم ويصفو له الوقت وكان يحسب حسابهم خوفا من مكرهم. فأمر بتقديمهم للحرب وأخر جلبانه ، فعلموا مكره لما رأوه واقفا هو وجلبانه لم يتحرك منهم أحد عن موضعه ، فتغيرت نياتهم عليه وقالوا له : نحن نقاتل بأنفسنا مع النار وأنت واقف تنظر إلينا كالعين الشامتة ما تأمر أحدا من مماليكك يخرج للميدان ، فكان العسكر كله مختلفا في بعضه مفسود النية ليس لهم رأي يرجعون إليه ولا تدبير يقفون عليه ، بل كل من تكلم بكلام يقول الآخر ضده فمن ذلك انخرم نظامهم.
وأما الأمراء الذين تقدم ذكرهم نحو الألفين هم ومن يلوذ بهم اعتمدوا على الله تعالى في حملاتهم وأخلصوا في نياتهم وصدموا الروم وضرب الروم بالمدافع والبندقيات حتى صار النهار كالليل الحالك من كثرة الدخان والغبار من حوافر الخيل لأنهم كانوا يقاتلون من قلب رجل واحد ونيات متفقة ليس لأحد منهم في قلبه غل ولا مكر ولا حسد لأحد ، وهذا أحسن ما يكون لمن يريد النصر.