فانظر إلى الروض الأريض وقد غدا |
|
يبكي الغوادي ضاحكا مرتاحا |
والنّور يبسط نحو ديمتها يدا |
|
أهدى لها ساقي النّدى أقداحا |
وتخاله حيّى الحيا من عرفه |
|
بذكيّه فإذا سقاه فاحا |
روض يحاكي الفاطميّ شمائلا |
|
طيبا ، ومزن قد حكاه سماحا |
ومن نثره : زففتها إليك بنت ليلتها عذراء ، وجلوتها عليك كريمة فكرها حسناء ، تتلفّع بحبرة حبرها ، وتتبختر في شعار شعرها ، مؤتلف بين رقّها ومدادها ، ومجتمع في بياضها وسوادها : (اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ، وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [التكوير : ١٧].
وذكر : أن الوزير أبا بكر بن ذكوان مرض له ولد جميل طبّه ابن الحنّاط ، فلما خلا به يوما سأله عن حاله ، فضجر الغلام من طول العلة ، فقال : أعرف والله دواء يريحك ، وقال : وما هو؟
قال : تقبّلني ، وآتيك به ، فاغتاظ الغلام ، ثم سهّل عليه ذلك التماس الراحة ، فقبله وقام ليأتيه بالدواء. فقال : عمدته خيار شنبر ، وها هو حاضر! وكشف عن ... وقد قام ، فاغتاظ الغلام ، وضربه بزبديّة ، كانت أمامه ، فخرج هاربا. وبلغت الحكاية أباه ، فضحك منها وتمثل :
كيف يرجو الحياء منه جليس |
|
ومكان الحياء منه خراب |
وقيل له : كيف كان هشام المعتدّ؟ فقال : يكفي من الدلالة على اختياره أنه استكتبني واتخذ ابن شهيد جليسا!! وكان ابن الحنّاط أعمى وابن شهيد أصمّ.
ومن المتين لابن حيان : وفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة نعي إلينا أبو عبد الله بن الحنّاط الشاعر الأديب القرطبي بقيّة الأدباء النحارير في الشعر. هلك بالجزيرة الخضراء في كنف الأمير محمد بن القاسم بن حمود ، وكان من أوسع الناس علما بعلوم الجاهلية والإسلام وسائر التعاليم.
ووصفه بفساد الدين ، وأنه ولد أعشى الحملاق ، ثم طفىء نور عينيه بالكلّيّة بعد القراءة الكثيرة ، فازداد براعة ، وكان يتطبّب عنده الملوك والخاصة. وقال في وصفه ابن بسام : زعيم من زعماء العصر ، ورئيس من رؤساء النظم والنثر ، وبينه وبين أبي عامر بن شهيد مناقضات نظما ونثرا أشرقت أبا عامر بالماء ، وأخذت عليه بفروج الهواء ، ومما أنشده له قوله في مخاطبة المظفر بن الأفطس ملك بطليوس (١) :
كتبت على البعد مستجديا |
|
لعلمي بأنّك (٢) لا تبخل |
فجاء الرسول كما أشتهي |
|
وقد ساق فوق الذي آمل |
__________________
(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٤٤٤).
(٢) في الذخيرة : أنّك.