ألفيت بقراطا وجالينوسا |
|
لا يأكلان ويرزآن جليسا |
فجعلتهم دون الأقارب جنّة |
|
ورضيت منهم صاحبا وأنيسا |
وأظن بخلك لا يرى لك تاركا |
|
حتى تنادم بعدها (١) إبليسا |
قالوا : وكان جميل المذهب ، طيبا ، شاعرا ، منقبضا عن الملوك ، وهو القائل :
أمن بعد غوصي في علوم الحقائق |
|
وطول انبساطي في مواهب خالقي |
وفي حين إشراقي على ملكوته |
|
أرى طالبا رزقا إلى غير رازق |
ومن المسهب : أنه كان آية في فنون العلم القديم ، لكنه ثقيل الطّلعة ، سيّىء الأدب والمقابلة ، ولذلك كان عمه أبو عمر يكرهه. وذكر أن الناصر المرواني استحضره لينظر عليه في العلم القديم ، فقابله من الكلام العامي الجلف بما كرهه من أجله ، وأبعده.
٥٨ ـ أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحناط الرعيني الأعمى القرطبي (٢)
من المسهب : أن أباه كان يبيع الحنطة بقرطبة ، ونشأ هذا الأعمى نشأة أعانته على أن بلغ غاية من العلم الحديث والعلم القديم. وكان بنو ذكوان هم الذين كفوه مؤونة الدهر ، وفرّغوه للاشتغال بالعلم. وكان الغالب عليه المنطق حتى اتّهم في دينه ونفي عن قرطبة. وله في فراره واستقراره بالجزيرة الخضراء تحت كنف أميرها محمد بن القاسم بن حمود قصيدة ، منها (٣) :
تفرّغت من شغل العداوة والظّعن |
|
وصرت إلى دار الإقامة والأمن |
أمقتولة الأجفان من دمع حزنها |
|
أفيقي فإني قد أفقت من الحزن |
وما عن قلى فارقت تربة أرضكم |
|
ولكنني أشفقت فيها من الدّفن |
قال : وكفاك من شعره قوله من قصيدة في علي بن حمود العلوي : [الكامل](٤)
راحت تذكّر بالنسيم الرّاحا |
|
وطفاء تكسر للجنوح جناحا |
مرّت (٥) على التّلعات فاكتست الرّبى |
|
حللا أقام لها الربيع وشاحا |
__________________
(١) في طبقات الأطباء : بعد هم.
(٢) أديب شاعر غلب عليه المنطق حتى اتهم في دينه ، ونفي عن قرطبة ، مات سنة ٤٣٨ ه. الصلة (ص ١٠٠٤) والذخيرة (ج ١ / ص ٣٤٧) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢٨٥).
(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٤٥٠) دون تغيير عمّا هنا.
(٤) الأبيات في الذخيرة (ق ١ / ص ٤٤٥) والبيت الأول في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٨).
(٥) في الذخيرة : جادت.