الحمد لله واصل الحبل بعد انقطاعه ، وملائم الشّعب بعد انصداعه ، المصبح بنا من ليل الخطوب ، والماحي عنا غياهب الكروب.
الحمد لله وإن عثرت الجدود ، وهوت نجوم السعود ، المرجوّ للإدالة ، والمدعوّ في الإقالة ، والقادر على تعجيل الانتصار ، والآخذ للإسلام بالثار ، أما بعد ، فما أتيت البصائر من تعليل ، ولا الأعداد من تقليل ، ولا القلوب من خور ، ولا السّواعد من قصر ، ولا الجياد من لوم أعراق ، ولا الصفوف من سوء اتّساق ، ولكنّ النّصر تأخّر ، والوقت المقدور حضر ، ولم تكن لتمضي سيوف لم يشاء الله إمضاءها ، ولا لتبقى نفوس لم يرد الله بقاءها ، وفي قوله تعالى أجمل التأسّي وأحسن التعزّي : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ؛ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠].
الحمد لله مؤلّف الآراء ، وجامع الأهواء ، على ما أغمد من سيف الفتنة ، وأخمد من نار الإحنة.
الحمد لله الذي صيّر أعداءنا في أعدادنا ، وأضدادنا من أعضادنا ، والسيوف المسلولة غلينا مسلولة دوننا (١).
[وفي بعض فصوله في الشكر] : الشكر عوذة على العارفة ، وتميمة في جيد النعمة. الكفر غراب ينعب على منازل النّعم.
الشكر بيد النّعمة أمان ، وعلى وجه العارفة صوان.
وفي بعض فصوله في وصف القلم : المداد كالبحر ، والقلم كالغوّاص ، واللّفظ كالجوهر ، والطّرس كالسّلك ما أعجب شأن القلم! يشرب ظلمة ويلفظ. نورا ، قاتل الله القلم! كيف يفلّ السّنان ، وهو يكسر بالأسنان؟!.
فساد القلم خدر في أعضاء الخطّ. رداءة الخطّ قذى في عين القراءة.
[وفي بعض فصوله في الأمان](٢) : أما بعد ، فإنكم سألتم الأمان ، أوان تلمّظت السيوف إليكم ، وحامت الحتوف عليكم ، وهمّت حظائر الخذلان أن تنفرج لنا عنكم ، وأيدي العصيان أن تتحفنا بكم ، ولو كلنا لكم بصاعكم ، ولم نرع فيكم ذمّة اصطناعكم ، لضاق عليكم ملبس الغفران ، ولم ينسدل عليكم ستر الأمان ، ولكنّا علمنا أن كهولكم الخلوف عنكم ، وذوي الأسنان العاصين لكم ، ممن يهاب وسم
__________________
(١) هذه الفصول في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ ص ٤٩٢ وما بعدها).
(٢) هذا الفصل عن الأمان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٥١٢ وما بعدها) ببعض الاختلاف عمّا هنا.