وقوله (١) :
أبى دمعنا يجري مخافة شامت |
|
فنظّمه فوق (٢) المحاجر ناظم |
وراق الهوى منّا عيونا (٣) كريمة |
|
تبسّمن حتى ما تروق المباسم |
وقاسى في مرضه شدة ، فقال عند موته (٤) :
خليليّ من ذاق المنيّة مرّة |
|
فقد ذقتها خمسين قولة صادق |
وكان موته من فالج أقام به مدة ، ورام أن يقتل نفسه لشدة الآلام ، وقال في تلك العلة (٥) :
تأملت ما أفنيت من طول مدّتي |
|
فلم أره إلا كلمحة ناظر |
وحصّلت ما أدركت من طول لذّتي |
|
فلم ألفه إلا كصفقة خاسر |
وما أنا إلا أهل (٦) ما قدّمت يدي |
|
إذا خلّفوني (٧) بين أهل المقابر |
سقى الله فتيانا كأنّ وجوههم |
|
وجوه مصابيح النجوم الزواهر |
يقولون : قد أودى أبو عامر العلا |
|
أقلّوا فقدما مات آباء عامر |
هو الموت لم يحرس بأسجاع خاطب (٨) |
|
بليغ ولم يعطف بأنفاس شاعر |
وتوفي يوم الجمعة آخر جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربعمائة ، ولم يشهد على قبر أحد ما شهد على قبره من البكاء والعويل ، وأنشد عليه من المرائي جملة موفورة ، وممن رثاه أبو حفص بن برد الأصغر (٩).
وقال الحجاري : كان ألزم للكأس من الأطيار بالأغصان ، وأولع بها من خيال الواصل بالهجران. واستوزره المستظهر ، ثم اصطفاه هشام المعتدّ ، ورثاه لما خلع بقصيدة منها :
أحللتني بمحلّة الجوزاء |
|
ورويت عندك من دم الأعداء |
وحملتني كالصّقر فوق معاشر |
|
تحتي كأنهم بنات الماء |
__________________
(١) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٢٢).
(٢) في الذخيرة : بين.
(٣) في الذخيرة : عيون.
(٤) البيت في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٢٩) وديوان ابن شهيد (ص ١٣٣).
(٥) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٣٢) وديوان ابن شهيد (ص ١١٣).
(٦) في الذخيرة : رهن.
(٧) في الذخيرة : غادروني.
(٨) في الذخيرة : هو الموت لم يصرف بإجراس خاطب.
(٩) الحديقة في البديع ـ للحجاري بالراء المهملة صاحب المسهب. كشف الظنون (ج ١ / ص ٢٤٦).