وابن شهيد كثير الوقوع فيه والتندير به. قال في كلام ، وصفه فيه : وهو أشدهم ضنانة بألا يكون بالأندلس محسن سواه ، وكان الرأي عندي له أن يسكن أرض جلّيقيّة ، حتى لا يسمع لخطيب فيها ذكرا ، ولا يحسّ لشاعر شعرا ، فينعم هنالك فردا ، وليست شيبته شيبة أديب ، ولا جلسته جلسة عالم ، ولا أنفه أنف كاتب ، ولا نغمته نغمة شاعر.
وقال في رسالته التي سماها بالتوابع والزوابع على لسان الجن : وأما أبو القاسم بن الإفليلي فمكانه من نفسي مكين ، وحبه بفؤادي دخيل ، على أنه حامل علي ، منتسب إلي. فصاحا : يا أنف النافة بن معمر ، من سكّان خيبر ، فقام إليهما جنّيّ أشمط ربعة يتظالع في مشيه كاسرا لطرفه ، زاويا لأنفه ، وهو ينشد :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم |
|
ومن يسوّي بأنف النّاقة الذّنبا؟ |
فقالا لي : هذا صاحب أبي القاسم. ما قولك فيه يا أنف الناقة؟ قال : لا أعرف على من قرأ؟ فقلت في نفسي : العصا من العصيّة! فقلت : وأنا أيضا لا أعرف على من قرأت؟ قال : لمثلي يقال هذا الكلام؟ فقلت : وكان ماذا؟ قال : فطارحني كتاب الجليل. قلت : هو عندي في زنبيل.
قال : فناظرني على كتاب سيبويه. قلت : خريت الهرّة عندي عليه.
وقال الححاري : كان بارد النظم والنثر ، لم يندر له من شعره إلا قوله :
صبحت القطيع ونادمته |
|
وأصبحت في شربه ذا انقطاع |
وأبصرت أنسي به وحده |
|
كأنس الرّضيع بثدي الرضاع |
قال : وهو القائل في يحيى بن حمود من قصيدة يكفي منها ما يكفي من التّرياق :
أنت خير الناس كلّهم |
|
يابن من ما مثله بشر |
فإذا ما لحت بينهم |
|
قيل هذا البدو والحضر |
قال : وأنشدتهما لأحد الأدباء ، فقال لي عند ما سمع عجز الأول ورأى ترادف الميمات : هذه عقد ذنب العقرب ، فلما سمع الثاني قال : سبحان من أخلى خاطر هذا الرجل من التوفيق ، وجعله يخرى على فمه!
١٨ ـ أبو يحيى أبو بكر بن هشام (١)
هو ممن قرأت عليه وأدركته يكتب عن الباجي (٢) ملك إشبيلية. والإشارة إليه بأنه شيخ
__________________
(١) ترجمته في الوافي بالوفيات (ج ٣ / ص ٧٩) واختصار القدح (ص ٨٩).
(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٩٧). توفي بجدة سنة ٤٩٣ ه.