عن صحبته ، ثم خوفه ففرّ ابن عمار إلى سرقسطة. ثم لما استقلّ المعتمد بعد أبيه جاءه ابن عمار مذكّرا بمودّته ، فتلقاه بأعظم قبول ، وصار عنده كجعفر عند الرشيد ، إلى أن داخل ابن عمار العجب ، وسمت به نفسه إلى مجاذبة رداء الملك ، فوثب على مرسية لما أخذها لابن عباد ، وانفرد فيها بنفسه ، وهجا ابن عباد وزوجه الرّميكيّة ، واشتهر من ذلك قوله من القصيدة الطائرة :
ألا حيّ بالغرب حيّا حلالا |
|
أناخوا جمالا وحازوا جمالا |
ومنها :
فيا عامر الخيل يا زيدها |
|
منعت القرى وأبحت العيالا |
وأفحش غاية الفحش ، ولم يفكر في العواقب. ثم إنه خرج من مرسية لإصلاح بعض الحصون فثار عليه في مرسية ابن رشيق وأغلق أبوابها في وجهه ، فعدل إلى المؤتمن بن هود ، ورغّبه في أن يوجه معه جيشا ليأخذ له شقّورة من يد عتاد الدولة. فخدعه عتاد الدولة حتى حصل في سجنه ، وبعث فيه ابن صمادح مالا لعداوته له ، وكذلك ابن عبّاد ، فقال ابن عمار :
أصبحت في السوق ينادى على |
|
رأسي بأنواع من المال |
تالله لا جار على ماله |
|
من ضمّني بالثمن الغالي |
وآل أمره إلى أن باعه من ابن عباد ، فجاء به ابنه الراضي إلى إشبيلية على أسوأ حال ، وسجنه ابن عبّاد في بيت في قصره ، ولم يزل يستعطفه وهو لا ينعطف له إلى أن كان ليلة يشرب فذكّرته الرّميكيّة به ، وأنشدته هجاءه فيه ، وقالت له : قد شاع أنك تعفو عنه ، وكيف يكون ذلك بعد ما نازعك ملكك ، ونال من عرض حرمك؟ وهذان لا تحتملهما الملوك. فثار عند ذلك ، وقصد البيت الذي هو فيه ، فهشّ إليه ابن عمّار ، فضربه بطبرزين شقّ به رأسه ، ورجع إلى الرّميكيّة ، وقال : قد تركته كالهدهد. قال ابن بسام : ولذلك يقول فيه صنيعته ابن وهبون :
لله من أبكيه ملء مدامعي |
|
وأقول لا شلّت يمين القاتل |
وأجلّ قصائده قصيدته التي يمدح بها المعتضد بن عباد ، ومن فرائدها قوله (١) : [الكامل]
أدر الزجاجة (٢) فالنسيم قد انبرى |
|
والنّجم قد صرف العنان عن السّرى |
والصّبح قد أهدى لنا كافوره |
|
لما استردّ الليل منا العنبرا |
__________________
(١) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٩٦ / ٩٧) ووفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٤٢٦) والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١٨٦ / ١٨٧).
(٢) في النفح : المدامة.