ومن توقيعاته البليغة : من لم يعرف وجه مطلبه كان الحرمان أولى به. ومن مشهور شعره قوله في جاريته طروب التي هام بها [المتقارب](١) :
إذا ما بدت لي شمس النها |
|
ر طالعة ذكّرتني طروبا |
عداني عنك مزار العدى |
|
وقودي إليهم لهاما (٢) مهيبا |
ألاقي بوجهي سموم الهجير |
|
إذا كاد منه الحصى أن يذوبا |
وأجنب في بعض غزواته وقد دنا من وادي الحجارة ، فقام إلى الغسل ، وفكره موقوف على الخيال الذي طرقه ، فاستدعى ابن الشّمر وقال له : أجز :
شاقك من قرطبة السّاري |
|
باللّيل لم يدر به الداري |
فقال بديهة :
زار فحيّا في ظلام الدّجى |
|
أهلا به من زائر زاري (٣) |
فهاج اشتياقه لصاحبة الخيال ، فاستخلف على الجيش ، ورجع إلى قرطبة. وكان مولعا بالنساء ولا يتخذ منهن ثيّبا ألبتّة. وكملت لذّته بقدوم زرياب (٤) غلام إسحاق الموصلي.
وفي مدته في سنة سبع ومائتين
أظهر العصيان عمّ أبيه عبد الله ، عسكر بمرسية ، وصلّى الجمعة على أن يخرج يوم السبت وقال في خطبته : اللهم إن كنت أحقّ بهذا الأمر من عبد الرحمن حفيد أخي فانصرني عليه ، وإن كان هو أحقّ به مني وأنا صنو جدّه فانصره عليّ ، فأمّنوا على دعائه. ولم يستتم كلامه حتى ضربته الريح الباردة ، فسقط مفلوجا ، فكمّل الناس صلاتهم بغيره ، وافترق الجمع ، وصار إلى بلنسية ، فمات بها في سنة ثمان ومائتين. وأحسن عبد الرحمن الخلف على ولده ، وعليه قدم بنو عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم صاحب تيهرت ، وأنفق عليهم ألف ألف دينار.
وفي السنة المذكورة
ثارت فتنة تدمير (٥) بين اليمن ومضر ودامت سبع سنين ، وكان انبعاثها من ورق دالية جمعها
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج / ص ٣٣٦). وبعضها في الحلة السيراء (ج ١ / ص ١١٤ ، ١١٥) وفي تاريخ افتتاح الأندلس (ص ٧٧) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ٨٦) منسوبة إلى عبد الرحمن بن الشمر.
(٢) في النفح : سهاما مصيبا.
(٣) في النفح : ساري.
(٤) ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٨٧ / ٩٠ / ٢١٩) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٠٧ / ١٠٨).
(٥) تدمير : من كور الأندلس ، سميت باسم ملكها تدمير. الروض المعطار (ص ١٣١).