٢ ـ ابنه أبو المطرّف عبد الرحمن بن الحكم
من المقتبس : هو بكر والده. مولده بطليطلة في شعبان سنة ست وسبعين ومائة. عمره اثنتان وستون سنة. دولته إحدى وثلاثون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام. وفاته بقرطبة ليلة الخميس لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
ذكر ابن حزم في نقط العروس : أن ولده مائة ، النصف ذكور. عني أبوه بتعليمه وتخريجه في العلوم الحديثة والقديمة. ووجّه عباس بن ناصح إلى العراق في التماس الكتب القديمة ، فأتاه بالسّند هند وغيره منها ، وهو أول من أدخلها الأندلس وعرّف أهلها بها ونظر هو فيها. وكان حسن الوجه بهيّ المنظر. ومن بديع التّعارض في كماله نقص ولادته ، لأنه ولد لسبعة أشهر. وكان من أهل التلاوة للقرآن والاستظهار للحديث. وأطنب في ذكره في العلوم وأنه كان يداخل كل ذي علم في فنه. وهو أول من فخّم السّلطنة بالأندلس بأمور يطول ذكرها ، من انتقاء الرجال والمباني وغير ذلك. وهو الذي بنى جامع إشبيلية وسورها. وتولّع جواريه ببناء المساجد وفعل الخير. وهو الذي ميّز ولاية السوق عن أحكام الشّرطة المسماة بولاية المدينة ، فأفردها ، وصيّر لواليها ثلاثين دينارا في الشهر ولوالي المدينة مائة دينار. وكان يقال لأيامه أيّام العروس. واستفتح دولته بهدم فندق الخمر وإظهار البرّ. وتملّى الناس معه العيش ، وخلا هو بلذاته ، وطال عمره وفشا نسله.
وقال الرازي : إنه الذي أحدث بقرطبة دار السّكّة ، وضرب الدراهم باسمه ، ولم يكن فيها ذلك مذ فتحها العرب. وفي أيامه أدخل للأندلس نفيس الجهاز من ضروب الجلائب لكون ذلك نفق عليه ، وأحسن لجالبيه. ووافق انتهاب الذخائر التي كانت في قصور بغداد عند خلع الأمين فجلبت إليه ، وانتهت جبايته إلى ألف ألف دينار في السنة. وهو الذي اتخذ للوزراء في قصره بيت الوزارة ، ورتب اختلافهم إليه في كل يوم يستدعيهم معه أو من يختصّ منهم ، أو يخاطبهم برقاع فيما يراه من أمور الدولة. وكان سعيدا. قال ابن مفرج : ما علمنا أنه خرج عليه مع طول أيامه خارج ، خلا ما كان من موسى بن موسى (١) بن قسي بناحية الثغر الأعلى. ولم يشغله النعيم عن وصل البعوث إلى دار المغرب.
وكان مكرّما لأصناف العلماء محسنا لهم ، وكان يخلو بكبير الفقهاء يحيى بن يحيى كثيرا ويشاوره ، وسرق بعض صقالبته بدرة فلمحه ، ولما عدّت البدر نقصت ، فأكثروا التنازع فيمن أخذها ، فقال السلطان : قد أخذها من لا يرّدها ورآه من لا يفضحه ، فإياكم عن العودة لمثلها فإن كبير الذنب يهجم على استنفاد العفو ، فتعجّب من إفراط كرمه وحيائه.
__________________
(١) عامل على تطيلة ، قاد العساكر إلى أرض الفرنجة. ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٢).