أن أملك الضحك ، فخالسته ، وتحمّلت على تقطيعه وستره ، ثم قلت : يا سيدي ، البغلة إذا خيط فرجها قدرت على أن تبول منه ، وكيف تصنع إذا خيط حجرها بما يخرج منه ، قال : صدقت ، فاجعل على حراستها شاهدين عدلين يرقبان ذلك الموضع ، فقلت له : سأكلم الحاجب ، قال : وانفصلت إلى ابن أبي عامر ، لأطرفه بما جرى ، فلما أخبرته سجد ، وجعل يكرّر حمد الله. قال : ثم قال لي : أتعلم أن في هذا الذي أنكرته صلاح المسلمين!؟ وذلك أن السلطان الذي تصلح معه الرعية اثنان : إما سلطان قاهر ذو رأي ، عارف بما يأتي ويذر ، مستبدّ بنفسه ؛ وإما سلطان مثل هذا تدبّر الدنيا باسمه ، ولا يخشى المتفرّغ لحراسة سلطانه غائلة ؛ والمتوسط يهلك ويهلك.
ودخل عليه يوما أحد الفقهاء ليستفتيه في مسألة تختصّ بحرمه ، فلما فرغ من سواله ، قال له : يا فقيه ، إنا في هذا البستان نعرض لمشاهدة هذه الطيور في مسافدتها ، أتراها تحسب علينا قيادة؟ قال : فقلت له : لا ، يا أمير المؤمنين ، فقال : الحمد لله وتهلل وجهه ، وقال : لقد أزلت عني غمّا تراكم في صدري! ثم أمر خادما واقفا على رأسه أن يأتيه بسفط ، فلما كشفه إذا فيه حصى كثير ، فقال : كل حصاة منها مقابلة لمجامعة بين طوير ، ونحن نسبّح الله كل يوم بهذا العدد ، ليكفّر عنا تلك الهنات ، فقلت : الأمر أهون فقد رخّص الله لأمير المؤمنين في ذلك.
وكانت له جارية من أحسن ما تقع عليه العين ، فلما أراد أن يستفضّها وجدها ثيّبا ، فسألها ، فقالت : بينما أنا ذات يوم راقدة تحت الشجرة الفلانية في البستان ، وإذا بمن نزّه الله ذكره عن هذا المكان قد جامعني واستفضّني ، فاستيقظت ، فوجدت الدم على رجلي ، وخفت الفضيحة ، وكتمت ذلك. فبكى هشام المتخلّف ، وقال : أبلغت أنا من العنانة عند الله أن يأتي من أتاك إلى بستاني ويستفضّ جاريتي؟ أنت حرّة لوجه الله! وأمر في الحين أن تبنى بذلك الموضع رابطة يتعبّد فيها. ووجد بخطه على هذا البيت :
ترى بعر الآرام في عرصاتها |
|
وقيعانها كأنه حبّ فلفل (١) |
هذا وقت كان بعر العزلان فيه ييبس للشمس بدل الزبيب ، ويوكل ، فسبحان الذي عوّضنا منه بالزبيب الطيب ببركة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) البيت لامرىء القيس وقد جاء في معلقته المشهورة.