يصيّر الرجل من هؤلاء في الحاشية ، ويستعمل على وكالة جهة ، ولا يبعد أن يتموّل في أقرب مدة. وإن اتفق أن يكون مع ذلك ذا لحية عظيمة ، وهامة ضخمة ، تقدمت به السعادة ، ولا سيما إن كانت لحيته حمراء قانية ، فإنها أجدى عليه من دار البطيخ غلّة. ثم لا يسأل عما وراء ذلك من أصل وقضيلة ، ولو كان مردّدا في بني اللّخناء ترديدا. وذكر في شأن الدّعيّ الذي تشبّه بهشام أنه ظهر في المرية في أيام زهير سنة ست وعشرين وأربعمائة. ثم ظهر عند القاضي (١) ابن عباد بإشبيلية ، وخطب له مغالطا باسمه ، ومستميلا قلوب الناس. ووجه ابن جهور أمير قرطبة من وقف على غيّه ، وصحّت عنده الشهادة به ، وخطب له ، ثم رجع عن ذلك.
قال : وأظهر المعتضد بن عباد موت هذا الدّعيّ.
وهوّل الحجاري حديثه في التخلّف وقال : نشأ جامد الحركة. أخرس الشمائل ، لا يشك المتفرّس فيه أنه نفس حمار في صورة آدمي. وعشق في صباه نباح كلب فجعل الغلمان يهيجونه ، حتى ينبح ، ليلتذّ بذلك. وكلما زاد سنّا نقص عقلا. ولما خلعه المهدي وحصل في قبضته قال لأحد غلمانه ، وقد ذهبت دولته ، وهتك حرمه : بالله انظر هدهدي إن كان سلم ، وافقتده لئلا يهلك بالجوع العطش ، فإنه من ذرّية الهدهد الذي دلّ سليمان على عرش بلقيس. قال المأمور بهذا : فكدت والله أخنقه ، فيستريح ، ويستراح منه.
وكانت أمّه صبح هي التي أظهرت المنصور بن أبي عامر ، ويقال إنّها أرضعته. ولهذا كان يقول له ظئر هشام ، فلما تغلّب ولم يرع صبحا قالت لابنها : أما ترى ما يصنع هذا الكلب؟ فقال : دعيه ينبح لها ، ولا ينبح علينا.
ومن تخلّفه أنه رام الصعود إلى برج يتفرج فيه ، فنزل في دهليز تحت الأرض ، فلما طال عليه النزول ، وأظلم المكان ، قال للذي معه : يا إنسان! أين أعلى البرج؟! قال : فقلت : يا مولاي ، ليس هذا بابه ، وإنما هذا باب الدّهليز الذي تحت الأرض. قال : صدقت. وإلا لو كان باب البرج كان يكون فيه خابية الماء! وإنما جعل الخابية شرطا ، لأنه كان له برج يعتاد صعوده ، وفي بابه خابية.
ونظر يوما إلى بغلة كانت من تحف الملوك ، وقد جعل على فرجها ما جرت به العادة ، خوف تعدّي السّوّاس عليها. فقال : لم صنعت هذه الأخراس على حر هذه البغلة فعرّفه بالعلة ، فقال : فاجعل على حجرها أخراسا أخر ، فقد يكون في السّواس لاطة! قال : فو الله ما قدرت على
__________________
(١) القاضي محمد بن إسماعيل ابن عباد ، أبو القاسم ، تولّى القضاء بإشبيلية من سنة ٤١٤ هءلى سنة ٤٣٤ ه.