مأمن من العذاب الإلهي ثمّ ينتقل إلى المسير في طريق النور والتقوى لينال الرحمة الإلهية المضاعفة.
وفي الآية اللاحقة ـ والتي هي آخر آيات هذه السورة ـ بيان ودليل لما جاء في الآية الآنفة الذكر حيث يقول تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١).
إنّه جواب لهؤلاء الكتابيّين الذين زعم قسم منهم : أنّ لهم أجرا واحدا كبقيّة المسلمين حينما رفضوا الإيمان بالرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمّا الذين آمنوا بالرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم منهم فلهم أجران : أجر الإيمان بالرسل السابقين ، وأجر الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث يجيبهم القرآن ويردّ عليهم بأنّ المقصود بالآية هم المسلمون.
فهؤلاء هم الذين لهم أجران ، لأنّهم آمنوا جميعا برسول الله بالإضافة إلى إيمانهم بكلّ الأنبياء السابقين ، أمّا أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا برسول الله فليس لهم أي نصيب أو سهم من الأجر ، ذلك ليعلموا أنّ الرحمة الإلهية ليست في اختيارهم حتّى يهبوا ما يشاءون منها وفق مشتهياتهم ، ويمنعوها عن الآخرين.
وهذه الآية تتضمّن كذلك جوابا لما ورد من ادّعاءات واهية من بعض اليهود والنصارى الذين اعتبروا الجنّة والرحمة الإلهية منحصرة بهم ، ظانّين أنّ غيرهم
__________________
(١) في (لا) في (لئلّا) يعلم أهل الكتاب زائدة أو أصلية ، يوجد نقاش بين المفسّرين حول هذه المسألة ، حيث اعتبر الكثيرون أنّ (لا) زائدة وتفيد التأكيد (كما ذكرنا أعلاه) وبناء على أنّ (لا) أصلية ، فقد وردت معاني مختلفة للآية من جملتها أنّ المقصود سيكون كالتالي وهو : أن يعلم أهل الكتاب بأنّه إذا قبلوا الإيمان والإسلام فإنّهم يستطيعون أن يهيّؤوا الفضل الإلهي لهم. وبتعبير آخر فإنّ نفي النفي هنا بمعنى (الإثبات) أو يكون المقصود كالتالي : نحن الذين أعطينا كلّ هذه الهبات للمسلمين حتّى لا يتصوّروا أهل الكتاب أن لا نصيب للمسلمين في الفضل الإلهي. إلّا أنّه بملاحظة نهاية الآية التي تقول : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) وكذلك بملاحظة سبب نزولها الذي مرّ بنا سابقا فإنّ كون (لا) زائدة هو الأنسب ظاهرا ، بل وحسب إعتقاد البعض أنّه في الكثير من الموارد التي تشتمل الجملة على نفي ، فإنّ : (لا) تكون زائدة كما في قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) الأعراف / ١٢. وفي قوله تعالى أيضا : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام ، الآية ١٠٩ (يرجى ملاحظة ذلك).