وهذا التعبير جميل جدّا ، وهو إشارة لطيفة إلى مبدأ وحدة الرسالات وتوحيد النبوّة.
ثمّ يشير هنا إلى الكتاب السماوي للسيّد المسيح عليهالسلام حيث يقول : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) ويستمرّ متحدّثا عن خصوصيات أتباعه فيقول سبحانه : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً).
ويرى بعض المفسّرين أنّ مصطلحي «الرأفة» و «الرحمة» بمعنى واحد ، إلّا أنّ قسما آخر اعتبرهما مختلفين وقالوا : إنّ «الرأفة» تعني الرغبة في دفع الضرر ، و «الرحمة» تعني الرغبة في جلب المنفعة.
ولهذا تذكر الرأفة قبل الرحمة غالبا ، لأنّ قصد الإنسان ابتداء هو دفع الضرر ومن ثمّ يفكّر في جلب المنفعة.
وممّا يدلّل به على هذا الرأي ما استفيد من آية حدّ الزاني والزانية حيث يقول سبحانه : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (١).
إنّ موضوع الرأفة والرحمة بالنسبة للأتباع الحقيقيين للسيّد المسيح عليهالسلام لم يذكر في هذه الآية فقط ، بل ورد هذا المعنى أيضا في قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٢)
وبالرغم من أنّ الآية الكريمة أخذت بنظر الإعتبار مسيحيي الحبشة وشخص «النجاشي» بالذات ، حيث آوى المسلمين وعاملهم بإحسان ومحبّة خاصّة ، إلّا أنّها بشكل عام تشير إلى الرأفة والرحمة والعواطف الإيجابية للمسيحيين الحقيقيين.
ومن الطبيعي ألّا يكون المقصود هنا المسيحيين الذين يمارسون أقذر
__________________
(١) النور ، الآية ٢.
(٢) المائدة ، الآية ٨٢.