المنشودة ، فقد وضع الحديد والبأس الشديد في خدمة رسل الله.
وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ تعبير (أنزلنا) يعكس لنا أنّ الحديد جاء من كرات سماوية إلى الأرض ، إلّا أنّ الصحيح أنّ التعبير بـ (الإنزال) في مثل هذه الحالات هو إشارة إلى الهبات التي تعطى من المقام الأعلى إلى المستوى الأدنى ، ولأنّ خزائن كلّ شيء عند الله تعالى فهو الذي خلق الحديد لمنافع مختلفة ، فعبّر عنه بالإنزال ، وهنا حديث لأمير المؤمنين عليهالسلام في تفسيره لهذا القسم من الآية حيث قال : «إنزاله ذلك خلقه إيّاه» (١).
كما نقرأ في الآية (٦) من سورة الزمر حول الحيوانات حيث يقول سبحانه : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ).
وفسّر البعض (أنزلنا) بأنّها من مادّة (نزل) على وزن (شبر) بمعنى الشيء الذي يهيّأ لاستقبال الضيوف ، ولكن الظاهر أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.
«البأس» في اللغة بمعنى الشدّة والقسوة والقدرة ، ويقال للحرب والمبارزة (بأس) أيضا ، ولذا فإنّ المفسّرين فسّروها بأنّها الوسائل الحربية ، أعمّ من الدفاعية والهجومية ، و
نقل في رواية عن أمير المؤمنين عليهالسلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «يعني السلاح وغير ذلك» (٢).
والواضح أنّ هذا من قبيل بيان المصداق.
والمقصود من «المنافع» هنا هو كلّ ما يفيد الإنسان من الحديد ، وتتبيّن الأهميّة البالغة للحديد في حياة الإنسان أنّ البشرية قد بدأت عصرا جديدا بعد اكتشافه ، سمّي بعصر الحديد ، لأنّ هذا الاكتشاف قد غيّر الكثير من معالم الحياة في أغلب المجالات ، وهذا يمثّل أبعاد كلمة (المنافع) في الآية الكريمة أعلاه.
وقد أشير إلى هذا المعنى بآيات مختلفة في القرآن ، منها قوله تعالى بشأن
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٥٠ ، حديث ١٠٠.
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٥٠ ، حديث ١٠١.