حاجتهم لإعطاء المساكين ، ثمّ كان يقول : (أخرجنا نصف السلسلة من أعناقنا وذلك بالإيمان بالله ، والنصف الآخر بالإطعام) (١).
ثمّ يضيف تعالى : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) أي صديق مخلص وحميم (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) أي القيح والدم.
والجدير بالملاحظة هنا هو أنّ (الجزاء) و (العمل) لهؤلاء الجماعة متناسبان تماما ، فبسبب قطع علاقتهم بالله ، فليس لهم هنالك من صديق ولا حميم ، كما أنّ سبب امتناعهم عن إطعام المحتاجين فإنّ طعامهم في ذلك اليوم لن يكون إلّا القيح والدم ، لأنّهم حرموا المساكين من الإطعام وتركوهم نهبا للجوع والألم في الوقت الذي كانوا يتمتّعون لسنين طويلة بألذّ وأطيب الأطعمة.
يقول الراغب في المفردات : «غسلين» غسالة أبدان الكفّار في النار ، إلّا أنّ المتعارف عليه أنّ المقصود به هو الدم والقيح النازل من أجسام أهل النار ، ويحتمل أنّ (الراغب) قد قصد هذا المعنى أيضا.
كما أنّ التعبير بـ (الطعام) يناسب هذا المعنى كذلك.
وهنا يطرح سؤال ، وهو متعلّق بما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (٢) ، وقد فسّروا (الضريع) بأنّه نوع من الشوك.
وكذلك ما ورد بهذا الشأن في قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) (٣) ، وقد فسّروا (الزقوم) بأنّه نبات مرّ غير مستساغ الطعم ذو رائحة نتنة حيث يكثر وجود مثل هذا النبات في أرض (تهامة) وهو مرّ وحارق وذو صمغ.
والسؤال هو : كيف يمكن الجمع بين هذه الآيات والآية مورد البحث؟
__________________
(١) روح المعاني ، ج ٢٩ ، ص ٥١.
(٢) الغاشية ، الآية ٦.
(٣) الدخان ، ٤٣ ـ ٤٤.