سيكون عند النفخة الثانية ، تحدّثنا هذه الآيات عن شيء من ذلك حيث يقول تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ).
«تعرضون» من مادّة (عرض) بمعنى عرض شيء معيّن ، بضاعة أو غيرها.
وممّا لا شكّ فيه أنّ جميع ما في الوجود ـ بشرا وغيره ـ هو بين يدي الله سبحانه ، سواء في هذه الدنيا أو في عالم الآخرة ، إلّا أنّ هذا الأمر يظهر ويتّضح بصورة أشدّ في يوم القيامة ، كما في مسألة حاكمية الله المطلقة والدائمة على عالم الوجود ، حيث تتّضح في يوم القيامة أكثر من أي وقت آخر.
إنّ جملة : (تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ الأسرار الخاصّة بالإنسان وما يحاول إخفاءه يتحوّل في ذلك اليوم إلى حالة من الظهور والوضوح كما يقول تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (١)
في ذلك اليوم لن يقتصر الوضوح والظهور على أعمال البشر الخفيّة فحسب ، بل على صفات وروحيات وأخلاقيات ونيّات الجميع فإنّها هي الاخرى تبرز وتظهر ، وهذا أمر عظيم جدّا ، بل إنّه أعظم من انفجار الأجرام السماوية وتلاشي الجبال ـ كما يقول البعض ـ حيث الفضيحة الكبرى للطالحين ، والعزّة والرفعة للمؤمنين بشكل لا نظير له ، يوم يكون الإنسان عريانا ليس من حيث الجسم فقط ، بل أعماله وأسراره الخفية تكون على رؤوس الأشهاد ، نعم لا يبقى أمر مخفي من وجودنا وكياننا أجمع في ذلك اليوم العظيم.
ويمكن أن يكون المراد هو الإشارة للإحاطة العلمية لله تعالى بجميع المخلوقات ، ولكن التّفسير الأوّل أنسب.
لذا يقول سبحانه بعد ذلك : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٢).
__________________
(١) الطارق ، الآية ٩.
(٢) «هاؤم» كما يقول أصحاب اللغة هي بمعنى (خذوا) وإذا كان المخاطب جمع مذكر ، فيقال : (هاؤم) ، وإذا جمعت جمع