أمّا إذا كان حملة العرش ثمانية مجاميع ، فمن الطبيعي أن تتعهّد المجاميع للقيام بهذه المهمّة ، سواء كان هؤلاء من الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء ، وممّا تقدّم نلاحظ أنّ قسما من تدبير نظام وشؤون ذلك اليوم هو من مهمّة الملائكة وقسم من الأنبياء ، حيث أنّ الجميع جاهزون لتنفيذ أمر الله ، ويتحرّك بإرادته تعالى.
هنالك آراء في أنّ الضمير في (فوقهم) هل يرجع إلى «البشر»؟ أم إلى (الملائكة)؟ وبما أنّ الحديث في الجملة السابقة كان حول الملائكة ، فإنّ الضمير يرجع إليهم حسب الظاهر ، وبهذه الصورة فإنّ الملائكة تحيط بالعالم من جميع جهاته ، ولهذا فإنّ المقصود بـ (من فوقهم) هو (العلو من حيث المقام).
وهنالك احتمال بأنّ حملة عرش الله هم أشخاص أعلى وأفضل من الملائكة ، وتماشيا مع هذا الاحتمال فإنّ ما جاء في الحديث السابق منسجم معه ، حيث ورد فيه أنّ حملة عرش الله هم ثمانية من الأنبياء والأولياء.
وبما أنّ الحوادث المتعلّقة بيوم القيامة ليست واضحة لنا نحن سكنة هذا العالم المحدود ، لذا فليس بمقدورنا إذا إدراك المسائل المتعلّقة بحملة العرش في ذلك اليوم. إنّ الذي نتحدّث به عن هذه الأمور ما هو إلّا شبح يتراءى لنا من بعيد في ظلّ الآيات الإلهية ، وإلّا فلا تتمّ رؤية الحقيقة بدون معايشة الواقع (١).
وممّا يجدر ملاحظته أنّ في (النفخة الاولى للصور) يموت ويفنى جميع من في السموات والأرض ، وبناء على هذا فإنّ مسألة بحث «حملة العرش» مرتبط «بالنفخة الثانية» ، حيث يتمّ إحياء الجميع ، وبالرغم من أنّه لم يأت ذكر للنفخة الثانية في الآية أعلاه ، إلّا أنّ ذلك يتّضح من خلال القرائن ، والمطالب التي سترد في الآيات اللاحقة تتعلّق بالنفخة الثانية أيضا (٢).
* * *
__________________
(١) تطرقنا مرارا في هذا التّفسير إلى المعاني التي وردت حول (العرش) لغويا وقرآنيا ، ومن ضمن ما بحثناه حول هذه المسألة ما جاء في نهاية الآية ٥٤ من سورة الأعراف.
(٢) في الحقيقة أنّه توجد آية محذوفة بتقدير «ثمّ نفخ فيه اخرى».