قطعي الوقوع ، كما هو بالنسبة لـ (الواقعة) في سورة (الواقعة) ، وقد جاء في الآية (١٦) من هذه السورة الاسم نفسه ، وهذا يؤكّد يقينية ذلك اليوم العظيم.
«ما الحاقّة» : تعبير لبيان عظمة ذلك اليوم ، كما يقال : إنّ فلانا إنسان ، يا له من إنسان ، ويقصد من هذا التعبير وصف إنسانيّته دون تقييد حدّها.
والتعبير بـ (ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) للتأكيد مرّة اخرى على عظمة الأحداث في ذلك اليوم العظيم حتّى أنّ البارئ عزوجل يخاطب رسوله الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّك لا تعلم ما هو ذلك اليوم؟ (١).
وكما لا يمكن أن يدرك الجنين الذي في بطن امّه المسائل المتعلّقة بالدنيا ، فإنّ أبناء الدنيا كذلك ليس بمقدورهم إدراك الحوادث التي تكون في يوم القيامة.
ويحتمل أنّ المقصود من (الحاقّة) هو الإشارة إلى العذاب الإلهي الذي يحلّ فجأة في هذه الدنيا بالمشركين والمجرمين والطغاة وأصحاب الهوى والمتمرّدين على الحقّ.
كما فسّرت (القارعة) التي وردت في الآية اللاحقة بهذا المعنى ـ أيضا وبلحاظ أنّ هذا التّفسير يتناسب بصورة أكثر مع ما جاء في الآيات اللاحقة التي تتحدّث عن حلول العذاب الشديد بقوم عاد وثمود وفرعون وقوم لوط ، فقد ذهب بعض المفسّرين إلى هذا الرأي أيضا.
وجاء في تفسير (علي بن إبراهيم) قوله : إنّ (الحاقّة هي الحذر من نزول العذاب) وهو نظير ما جاء في الآية التالية : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) (٢) (٣)
ثمّ تستعرض الآيات الكريمة اللاحقة مصير الأقوام الذين أنكروا يوم
__________________
(١) ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ جملة (ما أدراك) تتحدّث عن المسائل المعلومة والمسلّمة ، بينما جاءت (وما يدريك) في الموارد والمسائل المبهمة. مجمع البيان ج ١٠ ، ص ٣٤٣ ، كما نقل بعض المفسّرين هذا المعنى أيضا ومنهم القرطبي.
(٢) تفسير (علي بن إبراهيم) ج ٢ ، ص ٣٨٣ ، ومما يجدر الانتباه إليه أن كلمة (الحاقة) و (الحاق) من مادة واحدة.
(٣) المؤمن ، الآية ٤٥.