دواعي الافتخار والاعتزاز ، ولا ينبغي أن يمنّوا به على أحد.
ثمّ يقول تعالى في إشارة اخرى إلى مقالة اخرى سيّئة من مقالاتهم (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ).
وهذا نفس الكلام الذي أطلقه «عبد الله بن أبي» ، ويريدون من ورائه أنّهم أهل المدينة الأصليّون الذين سيخرجون منها الرّسول وأصحابه من المهاجرين ، بعد عودتهم من غزوة بني المصطلق التي مرّت الإشارة إليها.
ورغم أنّ هذا الحديث صدر عن رجل واحد ، لكنّه كان لسان حال المنافقين جميعا ، وهذا ما جعل القرآن يعبّر عنهم بشكل جماعي «يقولون ...» فيردّهم ردّا حازما إذ يقول : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ).
ولم يكن منافقو المدينة وحدهم الذين رووا هذا الكلام ، بل سبقهم إلى ذلك رؤساء قريش عند ما قالوا : (سينتهي أمر هذه المجموعة القليلة الفقيرة من المسلمين إذا حاصرناهم اقتصاديا أو أخرجناهم من مكّة).
وهكذا نرى اليوم الدول المستكبرة وهي تحذّر الشعوب التي ترفض الخضوع لسيطرتها ، بأنّها تملك الدنيا وخزائنها ، فان لم تخضع لها تحاصر اقتصاديا لتركيعها.
وهؤلاء هم الذين طبع على قلوبهم واتّخذوا منهجا واحدا على مدى التاريخ ، وظنّوا أنّ ما لديهم باق ، ولم يعلموا أنّ الله قادر على إزالته وإزهاقه بلمحة بصر.
وهذا النمط من التفكير (رؤية أنفسهم أعزّاء والآخرين أذلّاء وتوهّم أنّهم أصحاب النعمة والآخرون محتاجون إليهم) هو تفكير نفاقي متولّد من التكبّر والغرور من جهة ، وتوهّم الاستقلال عن الله عزوجل من جهة اخرى ، فلو أنّهم أدركوا حقيقة العبودية ومالكية الله لكلّ شيء فمن المحال أن يقعوا في ذلك التوهّم الخطير ..
وقد عبّرت عنهم الآية السابقة بقولها : (لا يَفْقَهُونَ) وهنا قالت : (لا يَعْلَمُونَ).