على كلّ حال فإنّ من علامات المنافقين التستر باسم الله المقدّس ، وإيقاع الأيمان المغلّظة لإخفاء وجوههم الحقيقيّة ، وإلفات أنظار الناس نحوهم. وبذلك يصدّونهم عن الرشد (الصدّ عن سبيل الله).
وبهذا يتّضح أنّ المنافقين في حالة حرب دائمة ضدّ المؤمنين ، وأنّ الظواهر التي يتخفّون وراءها لا ينبغي أن تخدع أحدا.
وقد يضطرّ الإنسان أحيانا إلى اليمين ، أو أنّ هذا اليمين سيساعده على إظهار أهميّة الموضوع ، بيد أنّه لا ينبغي أن يكون يمينا كاذبا أو بدون ضرورة ولا موجب.
جاء في الآية (٧٤) من سورة التوبة : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ).
ذكر المفسّرون مفهومين لمعنى التعبير بـ (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) الأوّل : الإعراض عن طريق الله ، والآخر : منع الآخرين عن سلوك هذا الطريق. وقد لا يتعذّر الجمع بين المعنيين في إطار الآية (مورد البحث) غير أنّ لجوءهم إلى الحلف بالله كذبا يجعل المعنى الثاني أكثر مناسبة ، لأنّ الهدف من القسم هو صدّ الآخرين وتضليلهم.
فمرّة يقيمون مسجد (ضرار) ، وعند ما يسألون ما هو هدفكم من ذلك؟
يحلفون أن لا هدف لهم سوى الخير كما في الآية (١٠٧) من سورة التوبة.
ومرّة اخرى يعلنون استعدادهم للمشاركة في الحروب القريبة السهلة التي يحتمل الحصول على غنائم فيها ، ولكن حينما يدعون إلى المشاركة في معركة تبوك الصعبة والشاقّة تجدهم يختلقون الحجج ويلفّقون الأعذار ، ويحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١).
__________________
(١) التوبة ، الآية ٤٢.