كانت تعدّ بضاعة لا قيمة لها عندهم ، يلعبون عليها القمار ، ويحرمونها من أبسط الحقوق الإنسانية. كانوا يتوارثون العداوة والبغضاء ، ولهذا أصبحت الحروب وإراقة الدماء أمرا عاديا لديهم.
نعم لقد جاء الرّسول وأنقذهم ـ ببركة الكتاب والحكمة من هذا الضلال والتخبّط وزكّاهم وعلّمهم. وحقّا إنّ تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضالّ يعتبر أحد الأدلّة على عظمة الإسلام ومعاجز نبيّنا العظيمة.
ولكن لم يكن الرّسول مبعوثا لهذا المجتمع الامّي فقط ، بل كانت دعوته عامّة لجميع الناس ، فقد جاء في الآية التالية (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) (١).
نعم ، إنّ الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرّسول ليتربّوا في مدرسة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنّة المحمّدية ، كانوا ـ أيضا ـ مشمولين بهذه الدعوة العظيمة.
بناء على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرّسول من العرب والعجم. جاء في الحديث أنّ الرّسول بعد أن تلا هذه الآية سئل من هؤلاء؟ فأشار الرّسول إلى سلمان وقال : «لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء» (٢).
وجاء في آخر الآية : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة ـ أي نعمة بعث نبي الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي ـ يضيف قائلا : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
__________________
(١) «آخرين» عطف على (امّيين) وضمير منهم متعلّق بـ «المؤمنين» كما يفهم من سياق الآيات. واحتمل بعضهم أنّه معطوف على ضمير «يعلّمهم». ولكن المعنى الأوّل أنسب.
(٢) أورده الطبرسي في (مجمع البيان) والطباطبائي في (الميزان) والسيوطي في (الدرّ المنثور) والزمخشري في الكشّاف ، والقرطبي ، والمراغي في تفسيرهما ، وسيّد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) في ذيل الآية مورد البحث ، وهو في الأصل من (صحيح البخاري).