ولأنّ للإنفاق قيما مختلفة وأحوالا متفاوتة الشرائط والظروف ، يضيف سبحانه : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) (١).
هناك اختلاف بين المفسّرين حول المقصود من كلمة «الفتح» التي وردت في الآية ، فقد اعتبرها البعض إشارة لفتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة ، واعتبرها آخرون إشارة إلى فتح الحديبية في السنة السادسة للهجرة.
وبالنظر إلى أنّ كلمة «الفتح» فسّرت (بفتح الحديبية) في سورة : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) فالمناسب هنا أن يكون المقصود بها فتح الحديبية أيضا. إلّا أنّ كلمة (قاتل) تناسب فتح مكّة ، لأنّه لم يحصل قتال في صلح الحديبية ، بعكس فتح مكّة الذي حصل فيه قتال سريع وقصير ، إذ لم يواجه بمقاومة شديدة.
ويحتمل أيضا أن يكون المراد من «الفتح» في هذه الآية هو جنس الفتح ، والذي يمثّل انتصار كلّ المسلمين في الحروب الإسلامية. والمقصود إجمالا أنّ الذين بذلوا المال والنفس في الظروف الحرجة مفضّلون على الذين ساعدوا الإسلام بعد سكون الموج وهدوء العاصفة ، لذلك وللتأكيد أكثر يضيف تعالى : (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا).
والعجيب هنا أنّ بعض المفسّرين الذين اعتبروا مقصود الآية هو فتح مكّة ، أو فتح الحديبية ، اعتبروا مصداق المنفق في هذه الآية هو «أبو بكر». في حين أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ عدّة حروب وغزوات حصلت بين هجرة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزول آية الفتح والذي استغرق من (٦ ـ ٨) سنوات ، وفي هذه الفترة قاتل وأنفق الآلاف من الأشخاص في طريق الإسلام ، إذ شارك في فتح مكّة فقط عشرة آلاف شخص ، طبقا لما ورد في كتب التاريخ. ومن الواضح أنّ أعدادا كبيرة في هذه المجموعة قدّمت الكثير من الأموال في سبيل الله وأعانت الإسلام في المجهود الحربي ،
__________________
(١) للآية محذوف يستفاد من المذكور ، وتقديره (لا يستوي من أنفق من قبل الفتح وقاتل والذين أنفقوا بعد الفتح وقاتلوا).