شاهدوا الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم وسمعوا دعوته مباشرة وبلا واسطة ، وشاهدوا معجزاته بأعينهم ، من الإيمان بدعوته.
في هذا الصدد نقرأ الحديث التالي : أنّ الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم قال لأصحابه يوما : (أيّ المؤمنين أعجب إليكم إيمانا؟» قالوا : الملائكة. قال : «وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربّهم؟» قالوا : الأنبياء. قال : «وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟» قالوا : نحن. قال : «وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بها» (١).
وهذه حقيقة لا غبار عليها ، وهي أنّ الأشخاص الذين يطلّون على عالم الوجود بعد سنوات طويلة من رحلة الرّسول صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم ويشاهدون آثاره في الكتب ـ فقط ـ ويؤمنون بأحقيّة دعوته ، فإنّ لهم ميزة كبيرة على الآخرين.
إنّ التعبير بـ «الميثاق» يمكن أن يكون إشارة إلى الفطرة التوحيدية أو الدلائل العقلية التي بمعرفتها يتبيّن للإنسان (نظام الخلقة) ، وعبارة (بربّكم) إشارة إلى التدبير الإلهي في عالم الخلقة ، وهو شاهد على هذا المعنى أيضا.
واعتبر البعض كلمة (ميثاق) إشارة إلى (عالم الذرّ) إلّا أنّ هذا المعنى مستبعد إلّا أن يراد به التّفسير الذي ذكرناه سابقا لعالم الذرّ (٢).
وجاءت الآية اللاحقة لتأكيد وتوضيح نفس هذا المعنى حيث تقول : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
فسّر البعض (آياتٍ بَيِّناتٍ) هنا بكلّ المعجزات ، وقال قسم آخر : إنّه (القرآن الكريم) إلّا أنّ مفهوم الآية واسع يستوعب كلّ ذلك ، بالرغم من أنّ التعبير (يُنَزِّلُ) يناسب (القرآن) أكثر ، هذا الكتاب العظيم الذي يمزّق حجب ظلام الكفر والجهل
__________________
(١) صحيح البخاري طبقا لنقل تفسير المراغي تفسير ظلال نهاية القرآن في نهاية الآيات مورد البحث.
(٢) راجع هذا التّفسير ، نهاية الآية (١٧٢) من سورة الأعراف.