والمصداق الواضح لهذه المجموعة هم مشركو مكّة ، وخصوصا سادات قريش ، حيث بذل بعضهم كلّ جهدهم لحرب المسلمين وإيذائهم ، وأعانوا آخرون على ذلك.
وفئة اخرى : مع كفرهم وشركهم ـ لا يضمرون العداء للمسلمين ، ولا يؤذونهم ولا يحاربونهم ولم يشاركوا في إخراجهم من ديارهم وأوطانهم ، حتّى أنّ قسما منهم عقد عهدا معهم بالسلم وترك العداء.
إنّ الإحسان إلى هذه المجموعة وإظهار الحبّ لهم لا مانع منه ، وإذا ما عقد معهم عهد فيجب الوفاء به ، وأن يسعى لإقامة علاقات العدل والقسط معهم .. ومصداق هذه الجماعة يتجسّد بطائفة (خزاعة) الذين كانوا قد عقدوا عهدا مع المسلمين على المسالمة معهم وترك الخصام.
وبناء على ذلك فلا مجال لقول بعض المفسّرين من أنّ هذه الآية منسوخة بما ورد في قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١).
حيث أنّ هذه الآية من سورة التوبة تتحدّث عن المشركين الذين نقضوا العهد ومارسوا أدوارا عدائية ضدّ الإسلام والمسلمين بصورة علنية ، ويتبيّن ذلك من خلال الاستدلال بالآيات اللاحقة التي تلي هذه الآية الكريمة (٢).
وقد ذكر بعض المفسّرين في حديثه حول هذه الآية أنّ زوجة أبي بكر المطلّقة أتت بهدايا لابنتها «أسماء» من مكّة ، إلّا أنّ ابنتها امتنعت عن قبولها ، بل إنّها امتنعت أيضا حتّى من السماح لامّها من دخول بيتها ، فنزلت الآية أعلاه وأمرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تلتقي بامّها وتقبل هديّتها وتكرمها وتحسن
__________________
(١) التوبة ، الآية ٥.
(٢) احتمل بعض المفسّرين أنّ الآية تمثّل رخصة عقد الولاء بالنسبة للمؤمنين الذين كانوا قد قبلوا الإسلام ، إلّا أنّهم بقوا في مكّة ، ولم يهاجروا. إلّا أنّ لحن الآيات يبيّن لنا أنّ الحديث كان مختّصا بغير المسلمين.