الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) (١).
إنّهم يخالفونكم في العقيدة ، كما أنّهم شنّوا عليكم الحرب عمليّا ، ويعتبرون إيمانكم بالله ـ الذي هو أكبر فخر لكم وأعظم قداسة تجلّلكم ـ غاية الجرم وأعظم الذنب ، ولهذا السبب قاموا بإخراجكم من دياركم وشتّتوكم من بلادكم .. ومع هذه الأعمال التي مارسوها معكم ، هل من المناسب إظهار المودّة لهم ، والسعي لإنقاذهم من يد العدالة والجزاء الإلهي على يد المقاتلين المسلمين المقتدرين؟
ثمّ يضيف القرآن الكريم موضّحا : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) (٢) فلا تعقدوا معهم أواصر الولاء والودّ.
فإذا كنتم ممّن تدّعون حبّ الله حقّا ، وهاجرتم من دياركم لأجله سبحانه وترغبون في الجهاد في سبيله طلبا لرضاه تعالى ، فإنّ هذه الأهداف العظيمة لا يناسبها إظهار الولاء لأعداء الله سبحانه.
ثمّ يضيف عزوجل للمزيد من الإيضاح فيقول : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) (٣) (٤).
وبناء على هذا فما عسى أن يغني الإخفاء وهو واقع بعلم الله في الغيب والشهود؟
وفي نهاية الآية نجد تهديدا شديدا لمن يجانب السبيل الذي أمر به الله
__________________
(١) جملة : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) قالوا : إنّها حال من ضمير (لا تتّخذوا) كما قيل : إنّها جملة استئنافية (الكشّاف ، ج ٤ ، ص ٥١٢). الباء في (المودّة) إمّا زائدة للتأكيد كما في قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أو أنّها سببيّة بحذف المفعول الذي تقديره : (تلقوا إليهم أخبار رسول الله بسبب المودّة التي بينكم وبينهم) الكشّاف أيضا.
(٢) يعتقد بعض المفسّرين أنّ هذه الجملة الشرطية لها جزاء محذوف يستفاد من الجملة السابقة تقديره : (وإن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي لا تتولّوا أعدائي).
(٣) الجملة أعلاه جملة استثنافية.
(٤) التعبير هنا بـ (ما أخفيتم) عوض (ما أسررتم) جاء تأكيدا للمبالغة ، لأنّ الإخفاء مرحلة أعمق من السرّ (تفسير الفخر الرازي نهاية الآيات مورد البحث).