ولا يختّص هذا الأمر بما حدث تأريخيا في صدر الإسلام ، بل إنّنا نلاحظ اليوم بأعيننا نماذج وصورا حيّة لا تخفى على أحد ، في طبيعة تعامل المنافقين في الدولة الإسلامية مع مختلف الفصائل المعادية للإسلام ، وسوف تصدق أيضا في المستقبل القريب والبعيد. ومن المسلّم أنّ المؤمنين الصادقين إذا التزموا بواجباتهم فإنّهم سينتصرون عليهم ، ويحبطون خططهم.
والآية اللاحقة تتحدّث عن سبب هذا الاندحار ، حيث يقول سبحانه : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ).
ولأنّهم لا يخافون الله ، فإنّهم يخافون كلّ شيء خصوصا إذا كان لهم أعداء مؤمنون مثلكم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).
«رهبة» في الأصل بمعنى الخوف المقترن بالاضطراب والحذر ، فهو خوف عميق له جذور وتظهر آثاره في العمل.
وبالرغم من أنّ الآية أعلاه نزلت في يهود بني النضير وأسباب اندحارهم أمام المسلمين ، إلّا أنّ مقصودها حكم عام وكلّي ، لأنّه لن يجتمع في قلب الإنسان خوفان : الخوف من الله ، والخوف من غيره. لأنّ كلّ شيء مسخّر بأمر الله ، وكلّ إنسان يخشى الله ويعلم مدى قدرته لا ينبغي أن يخاف من غيره.
إنّ مصدر جميع هذه الآلام هو الجهل وعدم إدراك حقيقة التوحيد ، ولو كان مسلمو اليوم بالمعنى الواقعي (يعني مؤمنين موحّدين حقّا) فإنّهم لا يقفون بشجاعة أمام القوى الكبرى بإمكاناتها المادية والعسكرية فحسب ، بل إنّ القوى الكبرى هي التي تخشاهم وتخاف منهم ، كما نلاحظ نماذج حيّة لهذا المعنى ، حيث نرى دولا كبرى مع ما لديها من الأسلحة والوسائل المتطوّرة تخشى شعبا صغيرا لأنّه مسلّح بالإيمان ومتّصف بالتضحية.
وشبيه هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا