(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وكيف لا يكون معنا في الوقت الذي نعتمد عليه ، ليس في إيجادنا فحسب بل في البقاء لحظة بلحظة ـ أيضا ـ ونستمدّ منه العون ، إنّه روح عالم الوجود ، بل هو أعلى من ذلك وأسمى.
فالله معنا في كلّ الحالات وفي كلّ الأوقات ، فهو معنا يوم كنّا ذرّة تراب مهملة ، وهو معنا يوم كنّا أجنّة في بطون أمّهاتنا ، وهو معنا طيلة عمرنا ، وفي عالم البرزخ ... فهل بالإمكان ـ مع هذا ـ ألّا يكون مطّلعا علينا؟
الحقيقة أنّ الإحسان بأنّ الله معنا في كلّ مكان يعطي للإنسان عظمة وجلالا من جهة ، ومن جهة اخرى يخلق فيه اعتمادا على النفس وشجاعة وشهامة ، ومن جهة ثالثة فإنّه يثير إحساسا شديدا بالمسؤولية ، لأنّ الله حاضر معنا في كلّ مكان ، وناظر ومراقب لأعمالنا ، وهذا أكبر درس تربوي لنا. وهذا الإعتقاد يمثّل دافعا جدّيا للتقوى والطهارة والعمل الصالح في الإنسان ، ويعتبر رمز عظمته وعزّته.
أجل : إنّ مسألة أنّ الله تعالى معنا دائما وفي كلّ مكان هي حقيقة وليست كناية ومجازا ، حقيقة مقبولة للنفس ومربّية للروح ، ومولّدة للخوف والمسؤولية.
ولذا ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إنّ من أفضل إيمان المرء أن يعلم أنّ الله تعالى معه حيث كان» (١).
ونقرأ في حديث آخر أنّ موسى عليهالسلام قال : «أين أجدك يا ربّ ، قال عزوجل : يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ» (٢).
وفي الأساس فإنّ هذه (المعيّة) أي كون الله عزوجل مع عباده ، ظريفة ودقيقة بحيث أنّ كلّ إنسان مؤمن متفكّر يدركها بقدر فكره وإيمانه.
وبعد مسألة الحاكمية والتدبير يأتي الحديث عن مسألة مالكيته سبحانه في
__________________
(١) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٧١.
(٢) روح البيان ، ج ٩ ، ص ٣٥١.