وتستعمل هذه اللفظة كناية عن القدرة أيضا كما يقال في اللغة العربية : (فلان ثلّ عرشه) (١).
وعلى كلّ حال ـ وخلافا لما يتصوّره البعض ممّن أعمى الله بصيرتهم أنّه سبحانه وتعالى قد خلق العالم وتركه وشأنه ـ فإنّ زمام تدبير العالم وتسيير حكومته في كفّ قدرته ، وارتباط أنظمة العالم ، بل كلّ فرد من أفراد الوجود بذاته المقدّسة ، بحيث إذا أعرض لحظة واحدة عن الكائنات وقطع فيضه عنهم فإنّ الوجود سينتهي.
والتوجّه إلى هذه الحقيقة يعطي للإنسان إدراكا وبصيرة ، وهي أنّ الله تعالى في كلّ مكان ومع كلّ شيء ، وهو يرى ويسمع ويراقب ويدير الوجود بحكمته ولطفه.
ثمّ يستعرض نوعا آخر من علمه اللامتناهي بقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها).
وبالرغم من أنّ جميع هذه الأمور التي ذكرت في الآيات السابقة قد جمعت في تعبير (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إلّا أنّ توضيح هذه الأمور يعطي للإنسان توجّها أكثر في مجال سعة علم الله.
نعم ، إنّ جميع ما ينفذ في الأرض يعلم به الله ، سواء قطرات المطر والسيول.
ومن بذور النبات التي تنتشر في الأرض بمساعدة الهواء والحشرات.
ومن جذور الأشجار التي تنفذ ـ بحثا عن الماء والغذاء ـ إلى أعماق الأرض.
ومن أنواع المعادن والذخائر التي كانت يوما على سطح الأرض ثمّ دفنت فيها.
من أجساد الموتى وأنواع الحشرات ... نعم انّه يعلم بكلّ ذلك.
__________________
(١) لقد ذكرنا توضيحات أكثر حول حقيقة العرش في نهاية الآية (٥٤) من سورة الأعراف ، وفي نهاية الآية (٢٥٥) من سورة البقرة.