والتشرّد في العالم ، لأنّ هذا أشدّ ألما وأسى على نفوسهم ، إذ كلّما تذكّروا أرضهم وديارهم ومزارعهم وبساتينهم التي أصبحت بيد المسلمين. وكيف أنّهم شردوا منها بسبب نقضهم العهد ومؤامراتهم ضدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ ألمهم وحزنهم ومتاعبهم تضاعف وخاصّة على المستوى النفسي.
نعم ، إنّ الله أراد لهذه الطائفة المغرورة والخائنة ، أن تبتلى بمثل هذا المصير البائس.
وكان هذا عذابا دنيويا لهم ، إلّا أنّ لهم جولة اخرى مع عذاب أشدّ وأخزى ، ذلك هو عذاب الآخرة ، حيث يضيف سبحانه في نهاية الآية (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ).
هذه عاقبتهم في الدنيا والآخرة ، وهي درس بليغ لكلّ من أعرض عن الحقّ والعدل وركب هواه ، وغرّته الدنيا وأعماه حبّ ذاته.
وبما أنّ ذكر هذه الحادثة مضافا إلى تجسيد قدرة الله وصدق الدعوة المحمّدية ، فهي في نفس الوقت تمثّل إنذارا وتنبيها لكلّ من يروم القيام بأعمال مماثلة لفعل بني النضير ، لذا ففي الآية اللاحقة يرشدنا سبحانه إلى هذا المعنى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١).
«شاقّوا» من مادّة (شقاق) وهي في الأصل بمعنى الشقّ والفصل بين شيئين ، وبما أنّ العدو يكون دائما في الطرف المقابل ، فإنّ كلمة (شقاق) تطلق على هذا العمل.
وجاء مضمون هذه الآية باختلاف جزئي جدّا في سورة الأنفال الآية ١٣ ، وذلك بعد غزوة بدر وانكسار شوكة المشركين ، والتي تبيّن عمومية محتواها من كلّ جهة ، في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ
__________________
(١) «من» شرطية وجزاؤها محذوف وتقديره : ومن يشاقق الله يعاقبه فإن الله شديد العقاب.