الأشخاص الذين تجاوزوا حدود الله فحسب ، بل عن الذين حاربوا الله ورسوله ، وتوضّح عاقبتهم ومصيرهم في هذه الدنيا والعالم الآخر كذلك.
يقول سبحانه في البداية : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
«يحادون» من مادّة (محادة) بمعنى الحرب المسلّحة والاستفادة من الحديد وقال أيضا للحرب غير المسلّحة.
وقال البعض : إنّ (المحادّة) في الأصل بمعنى الممانعة من مادّة (حدّ) والتي تجيء بمعنى المانع بين شيئين ، ولذلك يقال للحارس (حداد) ، والمعنيان من حيث النتيجة متقاربان بالرغم من أنّهما مأخوذان من أصلين مختلفين.
«كبتوا» من مادّة (كبت) على وزن (ثبت) بمعنى المنع بذلّة ، و (كبتوا) إشارة إلى أنّ الله تعالى يجعل جزاء المحاربين لله ورسوله الذلّة والهوان ويمنعهم من لطفه الشامل (١).
وهذا التعبير شبيه ما ورد في الآية (١١٤) من سورة البقرة التي تتحدّث عن الأشخاص الذين يمنعون الناس من المساجد وعبادة الله سبحانه ، ويحاربون مبدأ الحقّ حيث يقول سبحانه : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
أو كما ورد في الآية (٣٣) من سورة المائدة في الحديث عن مصير الأشخاص الذين يحاربون الله ورسوله ويفسدون في الأرض حيث يقول : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
ثمّ يضيف الباري سبحانه : (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ).
وبناء على هذا فقد تمّت الحجّة بشكل كامل ، ولم يبق عذر ، وحجّة للمخالفة ، ومع ذلك فإن خالفوا ، فلا بدّ من أن يجازوا ، ليس في هذه الدنيا فحسب ، بل في
__________________
(١) فسّر بعض المفسّرين (كتبوا) بمعنى اللعنة ، ولأنّ اللعنة من قبل الله تعالى القادر على كلّ شيء دليل على تحقيقها ، فالنتيجة هي الذلّة والهوان لهذه المجموعة في الدنيا ، إلّا أنّ ظاهر تعبير الآية أنّها جملة خبريّة وليست إنشائية.