(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) نعم إنّ الله عالم بكلّ المسموعات والمرئيات ، بدون أن يحتاج إلى حواس نظر أو سمع ، لأنّه حاضر وناظر في كلّ مكان ، يرى كلّ شيء ويسمع كلّ حديث.
ثمّ يستعرض تعالى حكم الظهار بجمل مختصرة وحاسمة تقضي بقوّة على هذا المفهوم الخرافي حيث يقول سبحانه : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ).
«الامّ» و «الولد» ليس بالشيء الذي تصنعه الألفاظ ، بل إنّهما حقيقة واقعية عينية خارجية لا يمكن أن تكون من خلال اللعب بالألفاظ ، وبناء على هذا فإذا حدث أن قال الرجل لزوجته مرّة : (أنت عليّ كظهر امّي) فإنّ هذه الكلمة لا تجعل زوجته بحكم والدته ، إنّه قول هراء وحديث خرافة.
ويضيف تعالى مكمّلا الآية : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (١).
وبالرغم من أنّ قائل هذا الكلام لا يريد بذلك الإخبار ، بل إنّ مقصوده إنشائي ، يريد أن يجعل هذه الجملة بمنزلة (صيغة الطلاق) إلّا أنّ محتوى ذلك واه ، ويشبه بالضبط خرافة (جعل الولد) حين كانوا في زمن الجاهلية يتبنّون طفلا معيّنا كولد لهم ، ويجرون أحكام الولد عليه ، حيث أدان القرآن الكريم هذه الظاهرة واعتبرها عملا باطلا ولا أساس له ، حيث يقول عزوجل : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) (٢) ، وليس له أي واقعية.
وتماشيا مع مفهوم هذه الآية فإنّ «الظهار» عمل محرّم ومنكر ، ومع أنّ التكاليف الإلهية لا تشمل الممارسات السابقة ، إلّا أنّها ملزمة لحظة نزول الحكم ، ولا بدّ عندئذ من ترتيب الأثر ، حيث يضيف الله سبحانه هذه الآية : (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ
__________________
(١) «زور» في الأصل بمعنى الانحناء الموجود على الصدر وجاءت أيضا بمعنى الانحراف ، ولأن حدود الكذب والباطل منحرفة عن الحق ، فيقال له (زور) كما يطلق على الصنم أيضا بهذا اللحاظ.
(٢) الأحزاب ، الآية ٤.