الأيّام خوفاً ، ثمّ عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطّارين على ذلك ، فخرجنا زائرين ، نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضريّة ، وخرجنا نصف الليل فصرنا بين مسلحتين ، وقد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي علينا فجعلنا نشمّه ( نتسمه ) ونتحرّى جهته حتى أتيناه ، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه ، واُحرق واُجري الماء عليه ، فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزرناه وأكببنا عليه .. فودّعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع ، فلمّا قتل المتوكّل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه.
وقال : واستعمل على المدينة ومكّة عمر بن الفرج فمنع آل أبي طالب من التعرّض لمسألة الناس ومنع الناس من البرّ بهم ، وكان لا يبلغه أنّ أحداً أبرّ أحداً منهم بشيء ، وإنّ قلّ إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرماً ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلّين فيه واحدة بعد واحدة ، ثمّ يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عوارى حواسر إلى أن قتل المتوكّل فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم بمال فرّقه بينهم ، كان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادّة مذهبه (١). وولى بعده المنتصر ابنه وظهر منه الميل إلى أهل البيت وخالف أباه ـ كما عرفت ـ فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه فيما بلغنا. وأوّل ما أحدثه انّه لمّا ولى الخلافة عزل صالح بن علي عن المدينة ، وبعث علي بن الحسين مكانه فقال له ـ عند الموادعة ـ : يا علي : إنّي اُجّهك إلى لحمي ودمي فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ ، فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين ـ أيّده اللّه ـ فيهم ، إن شاء اللّه. قال : إذاً تسعد
__________________
١ ـ مقاتل الطالبيين ٣٩٥ ـ ٣٩٦.