ولا شك أنّ موت النبيّ وفقدانه سيوجدان فراغات هائلة في المجالات الثلاثة فيجب اعداد قائد له القابلية والصلاحية في سد تلك الفراغات ، ولا يقوم به إلاّ من كان يتمتّع بما كان يتمتّع به الرسول عدا خصيصة النبوّة وتلقّي الوحي ، فيكون وعاء علم النبي ومخزن أسراره ، ومودع حكمته ، حتّى يقوم بتلك الوظيفة العظيمة.
ومن الواضح أنّ هذه الكفاءات والمؤهّلات المعنوية لاتحصل لشخص بطريق عادي ولا بالتربية البشرية المتعارفة ، بل لابدّ من إعداد إلهي خاص وتربية إلهية خاصّة هذا من جانب ، ومن جانب آخر لا يمكن للاُمّة أن تتعرّف بنفسها على هذا الشخص وتكتشف من تتوفّر فيه تلك المؤهّلات والكفاءات بالطرق العادية.
كل ذلك يثبت نظرية التنصيص وأنّه لا محيص عن تعيين القائد بتنصيص الرسول بأمر من اللّه سبحانه ، أي تنصيب من يتّصف بتلك الكفاءات التي لا يكتسبها إلاّ من تربّى في حضن الرسالة والرسول. وإليك تفاصيل هذه الفراغات ، ونكتفي في كل مورد بموجز القول :
إنّ اللّه سبحانه يصف القرآن بأنّه نزل إلى النبيّ ليبيّن للناس ما نزل إليهم فيقول : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ للِنّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ ) (١) وقال : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (٢) فقد وصف النبي في هاتين الآيتين بأنّه مبيّن بما في الكتاب لا قارئ فقط ، فكم فرق بين أن يقول : « لتقرأ
__________________
١ ـ النحل / ٤٤.
٢ ـ النحل / ٦٤.