يَا مُوسَى اِنَّ الملأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَأخْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (١).
وهذه الآيات تدل على جواز التقية لانقاذ المؤمن من شرّ عدوه الكافر.
إنّ مورد الآيات وإن كان هو اتقاء المسلم من الكافر ، ولكن المورد ليس بمخصص لحكم الآية فقط ، إذ ليس الغرض من تشريع التقية عند الابتلاء بالكفار إلاّ صيانة النفس والنفيس من الشر ، فإذا ابتُلي المسلم بأخيه المسلم الذي يخالفه في بعض الفروع ولا يتردد الطرف القوي عن إيذاء الطرف الآخر ، كأن ينكل به أو ينهب أمواله أو يقتله ، ففي تلك الظروف الحرجة يحكم العقل السليم بصيانة النفس والنفيس عن طريق كتمان العقيدة واستعمال التقية ، ولو كان هناك وزر إنّما يتوجه على من يُتقى منه لا على المتقي ، فلو سادت الحرية جميع الفرق الإسلامية ، وتحملت كل فرقة آراء الفرقة الأُخرى بصدر رحب ، وفهمت بأنّ ذلك هو قدر اجتهادها ، لم يضطر أحد من المسلمين إلى استخدام التقية ، ولساد الوئام مكان النزاع.
وقد فهم ذلك لفيف من العلماء وصرّحوا به ، وإليك نصوص بعضهم :
١ ـ يقول الإمام الرازي في تفسير قوله سبحانه : ( إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة ) ظاهر الآية على أنّ التقية إنّما تحل مع الكفار الغالبين ، إلاّ أنّ مذهب الشافعي ـ رضي اللّه عنه ـ : إنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلّت التقية محاماة عن النفس ، وقال : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من قتل دون ما له فهو شهيد » (٢).
__________________
١ ـ القصص ٢٠.
٢ ـ الرازي : مفاتيح الغيب ٨ : ١٣ في تفسير الآية.