ب : وجوب الاحتياط عند العلم الإجمالي
إذا علم المكلّف انّ أحد الفعلين واجب أو انّ أحدهما حرام فعندئذ يجب عليه إتيان الأوّلين معاً وترك الآخرين كذلك ، لأنّ العقل يستقل بالاحتياط ، في كلا الموردين ، لأنّ اشتغال ذمّته بأحد التكليفين قطعي ، والعقل يستقل بأنّ الاشتغال القطعي يبعث الإنسان إلى تحصل البراءة القطعية وهو لا يتحقّق إلاّ بفعل الأوّلين وترك الآخرين وذلك باب واسع في الفقه الإسلامي.
ثمّ إنّ مذهب الأشعري تبعاً لأهل الحديث أنكر التحسين والتقبيح العقليين ، وبذلك صار شعار أهل السنّة حذف العقل عن مجال المعارف والتشريع.
وعمدة أدلّتهم على إنكار الحسن والقبح هو تخيّل انّ القول بالتحسين والتقبيح بمعنى فرض الوجوب على الله من جانب العبد. والله سبحانه فوق أن يقع معرضاً لحكم العقل عليه بالتحسين والتقبيح وبالتالي التكليف على الله بإيجاب الحسن ، وتحريم القبيح. (١)
يلاحظ عليه : أنّ المستدل خلط بين التكليف على الله وكشف ما عنده سبحانه من الحكم من خلال صفاته وكماله ، فالقائل بالملازمة لا يفرض التكليف على الله ، ويقول : أين التراب ورب الأرباب ، لكن هذا لا يمنع من أن نستكشف ما عنده من الأحكام من خلال دراسة صفاته الكمالية ، فهو بما انّه عادل لا يجور ، وحكيم لا يعبث ، وعالم لا يجهل ، نستكشف الأحكام اللائقة به حسب صفاته ، فالتكاليف المخوّلة إليه من قبيل التكاليف التي فرضتها عليه حكمته وعدله
__________________
(١) شرح المقاصد : ٢ / ١٠٥ ، طبع الآستانة ، اسلامبول.