قولهم أن يفرقوا بينهما والدليل له : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) واحد فيها.
وبعث إليه العلاّمة كاشف الغطاء برسالة جوابية بيّن فيها وجه التفريق بينهما ، وإليك نص ما يهمنا من الرسالة :
قال بعد كلام له : وكأنّك ـ أنار الله برهانك ـ لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الإمعان في غير هذا المقام ، وإلاّ لما كان يخفى عليك أنّ السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه حتى أنّها قد سمّيت بسورة الطلاق ، وابتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ثم ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدّة أي لا يكون في طهر المواقعة ، ولا في الحيض ، ولزوم إحصاء العدّة ، وعدم إخراجهنّ من البيوت ، ثمّ استطرد إلى ذكر الرجعة في خلال بيان أحكام الطلاق حيث قال عزّ شأنه : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي إذا أشرفن على الخروج من العدّة ، فلكم إمساكهنّ بالرجعة أو تركهنّ على المفارقة. ثمّ عاد إلى تتمة أحكام الطلاق فقال : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي في الطلاق الذي سيق الكلام كلّه لبيان أحكامه ويستهجن عوده إلى الرجعة التي لم تذكر إلاّ تبعاً واستطراداً ، ألا ترى لو قال القائل : إذا جاءك العالم وجب عليك احترامه واكرامه وأن تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه ، ويجب المشايعة وحسن الموادعة ، فانّك لا تفهم من هذا الكلام إلاّ وجوب المشايعة والموادعة للعالم لا له ولخادمه ورفيقه ، وإن تأخّرا عنه ، وهذا لعمري حسب القواعد العربية والذوق السليم جلي واضح لم يكن ليخفى عليك وأنت خريت العربية لو لا الغفلة (وللغفلات تعرض للأريب) ، هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآية الكريمة.
وهنالك ما هو أدقّ وأحقّ بالاعتبار من حيث الحكمة الشرعية والفلسفة