قال : «لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين بالحق».
وقال علي ـ كرم الله وجهه ـ : «لا تخلو الأرضُ من قائم لله بحجّة ، لئلاّ تبطل حججُ الله وبيّناته» فلو جاز أن يخطئ الصحابي في حكم ولا يكون في ذلك العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في الأُمّة قائم بالحقّ في ذلك الحكم ، لأنّهم بين ساكت ومخطئ ، ولم يكن في الأرض قائم لله بحجّة في ذلك الأمر ، ولا من يأمر فيه بمعروف أو ينهى فيه عن منكر. (١)
أقول : أمّا الحديث الأوّل فيدلّ على وجود طائفة ظاهرين بالحقّ من أُمّته ، ولكن من أين نعلم أنّهم هم الصحابة؟ فانّ الأخبار عن الكبرى لا تثبت الصغرى ، أي كون القائمين بالحقّ هم الصحابة ، فليكن التابعين لهم بإحسان.
وأمّا الحديث الثاني فيدلّ على وجود القائم بالحقّ بين الأُمّة في كلّ الأزمنة والأعصار لا الناطق بالحقّ ، وشتان ما بين القائم بالحقّ والناطق بالحقّ ، والقائم بالحقّ بطبيعة الحال يكون ناطقاً ، ولكن ربما يكون مضطراً للسكوت خوفاً من حكّام الجور ، فلا يكون سكوت الأُمّة دليلاً على إصابة الصحابي الناطق وكونه القائم بالحقّ.
وجود المخالفة بين الصحابة
إنّ تاريخ التشريع حافل بنماذج كثيرة من مخالفة صحابي لصحابي آخر حتى بعد سماع كلامه وقوله ، فلو كان قول الصحابي نتاجاً للسماع لما جاز لآخر أن يخالفه ويقدّم رأيه على قوله ، فإنّه يكون من قبيل تقديم الرأي على النصّ ، وهذا يعرب على أنّ قول الصحابي لا يساوق سماعه عن النبي ، بل أعمّ منه بكثير ، وهذا
__________________
(١) أعلام الموقعين : ٤ / ١٥٠ ، فصل جواز الأخذ بفتاوى الصحابة.