ولنذكر مثالاً آخر : قال سبحانه : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). (١)
ففرض سبحانه على المطلّقة تربّص ثلاثة قروء بُغية استعلام حالها من حيث الحمل وعدمه ، وأضاف سبحانه بأنّها لو كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها ، قال سبحانه : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ). (٢)
ولكن استعلام حال المطلّقة ليس ضابطاً للحكم ولا ملاكاً له ، بل من حِكَمِه ، بشهادة انّه لو غاب زوجها عنها مدّة سنة أو أقلّ أو أكثر فطلّقها يجب عليها التربّص مع العلم بعدم حملها منه.
كلّ ذلك يعرب عن أنّ بعض ما ورد في الشرع بصورة العلّة ، ربما تكون حكمة ومصلحة.
قال أبو زهرة : الفارق بين العلّة والحكمة ، هو انّ الحكمة غير منضبطة بمعنى انّها وصف مناسب للحكم يتحقّق في أكثر الأحوال ، وأمّا العلة فهي وصف ظاهر منضبط محدود ، أقامه الشارع أمارة على الحكم. (٣)
السادس : حكم القياس في منصوص العلّة
العمل بالقياس في منصوص العلّة راجع في الحقيقة إلى العمل بالسنّة ، لا بالقياس ، لأنّ الشارع شرّع ضابطة كلية عند التعليل فنسير على ضوئها في جميع الموارد التي تمتلك تلك العلة.
نفترض انّه ورد في الحديث : «الخمر حرام لأنّه مسكر» فإلحاق غير الخمر
__________________
(١) البقرة : ٢٢٨.
(٢) الطلاق : ٤.
(٣) أُصول الفقه لأبي زهرة : ٢٢٣ و ٢٣٣.