الاكتساب ، فضلا عن كونه بمقدار يخرجه عن حد الفقر ، فإنّه يكفي في حفظ النفس تحصيل قوت يسدّ به رمقه لدى احتياجه إليه بنحو من الأنحاء ، سواء كان بالاكتساب ، أو بالاستدانة ، أو الاستعطاء من أصدقائه وأقاربه ، أو سائر المسلمين ، أو الالتقاط من حشيش الأرض ، أو ببيع داره أو شيء من مستثنيات الدين ، أو غير ذلك من طرق التحصيل.
وقد حقّقنا لدى التكلّم في حرمة إراقة الماء قبل الوقت أو بعده في مبحث التيمّم من كتاب الطهارة أنّه لا يتنجز التكليف بشيء من المقدمات الوجوديّة للواجبات المطلقة أو المشروطة إلّا بعد إحراز توقّف الواجب على خصوص هذا الشيء ، وأنّه لو أخلّ به ، يتعذّر عليه الخروج عن عهدة ذلك التكليف ، فلا يتنجّز عليه التكليف بالاكتساب مقدمة لحفظ نفسه ، إلّا إذا علم بكون الإخلال به موجبا لتلفها ، ولا أقلّ من الظنّ بذلك ، ومتى أحرز ذلك ، لم يجز له الاشتغال عنه بالواجبات العينيّة أيضا ، فضلا عن الكفائيّة.
وأما من لم يحرز ذلك بأن كان عنده في هذا اليوم بمقدار ما يسدّ به رمقه في يومه وليلته ، واحتمل أن يرزقه الله تعالى في الغد أيضا مثل ما رزقه في هذا اليوم من حيث لا يحتسب ، جاز له ترك التكسّب والاشتغال بالأعمال المباحة ، فضلا عن المستحبة ، ولا سيما مثل تحصيل العلوم الدينيّة ، فلا مجال للارتياب في عدم اختصاص وجوب التفقه أو استحبابه بخصوص الأغنياء أو الفقراء العاجزين عن الاكتساب ، الذين يحلّ لهم الصدقات ، بل هو عامّ لسائر المكلّفين.
فإذا ترك القادر على الاكتساب كسبه ، وقنع بأقلّ قوت يقيم صلبه من حشيش ونحوه ، وصبر على الفقر والفاقة ، واشتغل بتهذيب أخلاقه